كتب يونس حمزاوي:
يعتبر «صندوق النقد الدولي» هو ذراع الإمبريالية العالمية، الذي تتحكم فيه الدول الغربية بشكل مطلق للهيمنة على الاقتصاد العالمي ونهب ثروات الشعوب الفقيرة وتركها أكثر عوزا وفقرا.
يعزز ذلك ما قاله عالم الاقتصاد ميشيل تشوسودوفيسكي: «إن برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد في بعض الأحيان فقيرًا كما كانَ من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراءً».
نشأة الصندوق
مع خروج العالم من الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها عشرات الملايين، اجتمع ممثلو 44 دولة في «بريتون وودز» وخرجوا بوجوب تأسيسي نظام لاعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخرجوا من المؤتمر باتفاقية بريتون وودز.
في عام 1944 وفي غابات بريتون في ولاية نيوهامشاير بالولايات المتحدة وتحت مسمى "مؤتمر النقد الدولي" اتفق ممثلو الدول على تثبيت سعر الدولار بسعر 35 دولارًا مقابل أونصة واحدة من الذهب. كما خرجوا بتوصيات بإنشاء مؤسستين تحكمان العلاقات الاقتصادية الدولية، لكلٍ منهما مهام محددة وإن كانت تلتقي بشكلٍ عام في مهام واحدة وهما "صندوق النقد الدولي" ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن وكذلك "البنك الدولي".
سمعة قبيحة
ويتمتع الصندوق بسمعة شديدة السوء؛ فعلى مدى تاريخ طويل وسنوات ممتدة ارتبط اسمه وصورته بكلمات سلبية بالغة السوء مثل، سعي المؤسسة المالية الدولية لقهر الشعوب الفقيرة، ومحاباة الدول الغنية وكبار المساهمين وأصحاب رأس المال بالصندوق على حساب الدول الفقيرة، وتنفيذ مخططات الإمبريالية التي تستهدف السيطرة على الاقتصاد العالمي والتحكم في التجارة الدولية والسطو على ما تبقى من ثروات الدول النامية بحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام.
كما ارتبطت صورة صندوق النقد وسمعته أيضاً بتقديمه نصائح مغرضة لحكومات الدول الفقيرة التي تواجه تعثراً مالياً، نصائح يتم من خلالها معالجة أزمات الاقتصاد على حساب الفقراء ولا تراعي البعد الاجتماعي في الإصلاحات المطلوب تطبيقها.
والملفت في الأمر كما يقول منتقدو صندوق النقد أن الصندوق يقدم روشتة عبارة عن "خطط خراب" لاقتصاديات الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية حادة وذلك تحت أسماء ناعمة، مثل "برامج الإصلاح الاقتصادي"، و"خطط الإنقاذ الاقتصادي والمالي"، وبرامج إعادة الهيكلة المالية.
غسل سمعته السيئة
حسب عبدالسلام، يبدو أن صندوق النقد الدولي أدرك حجم المخاطر التي تعرضت لها سمعته، خاصة بعد فضيحة تقديم مشورات خطأ لبعض الحكومات، وأكبر دليل على ذلك انهيار اقتصاديات جنوب شرق آسيا في 1997 رغم إشادة الصندوق بهذه الاقتصاديات قبل الانهيار مباشرة.
ومن هنا يمكن التعامل مع التصريحات الأخيرة الصادرة عن كبار المسؤولين في صندوق النقد، وأحدثها مطالبة كريستين لاغارد، مديرة الصندوق، الحكومات العربية، مساء أمس السبت، بضرورة التطبيق التدريجي للضرائب، وبنسب منخفضة، بل والمطالبة بأن يشرح هؤلاء الحكام لمواطنيهم المنطق الذي يستندون إليه في فرض تلك الضرائب.
لاغارد تقول، وبشكل واضح، إن صندوق النقد لم يطالب هذه الحكومات بفرض كل هذا الكم من الضرائب التي ترهق المواطنين وتزيد الأعباء المعيشية لهم وتزيد معدلات الفقر، وأن علي هذه الحكومات أن تشرح مبررات فرض مزيد من الضرائب، لكن السؤال هنا: هل يسمع هؤلاء نصيحة لاجارد؟ أم يواصلون سياسة خنق المواطن والسطو على ما تبقي له من مدخرات ضعيفة تكفي بالكاد تسيير أمورهم المعيشية؟
تصريحات لاغارد ليست الأولى من نوعها، فقد كشفت قبل شهور عن التزامات قطعتها الحكومة المصرية على نفسها مثل خفض الدعم وزيادة أسعار الوقود وخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، كما أن الوثائق الضخمة التي كشف عنها الصندوق وتتعلق باتفاق القرض الممنوح لمصر تأتي في هذا الاتجاه أيضا.
بل إن مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، خرج بتصريح لافت يوم 30 أكتوبر 2016، قال فيه إن تعويم سعر الجنيه المصري هدف حددته الحكومة نفسها وليس مفروضا من الصندوق كما زعمت وسائل اعلام محلية.
ببساطة يسعى صندوق النقد الدولي لغسل سمعته عبر مخاطبة الرأي العام في الدول التي يقدم لها قروضاً ومساعدات مالية أو حتى مشورة مضمونها أن حكوماتكم هي من تأتي إلينا ونحن لا نذهب لأحد، وأن حكوماتكم هي من تقترح الإجراءات العنيفة وزيادة الأسعار وليس نحن، وأن إجراءات التقشف التي تقوم بها حكوماتكم هي من صنع يدها، وأن المبالغة في زيادة الضرائب والرسوم والجمارك هو من صنع هذه الحكومات.
صندوق النقد يغسل سمعته ويتبرأ من قرارات الحكومات العربية التي أفقرت الشعوب ورفعت الأسعار وسببت القلاقل السياسية والأمنية.