كتب رانيا قناوي:
ما زال قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي يكبل حرية الشعب المطحون بمزيد من الديون، حتى إذا ما ثار الناس ضده، ترك لهم تركة من الدائنين الذين يستنسخون دولة الاحتلال مرة أخرى عن طريق صندوق الدين في القرن التاسع عشر.
وكعادة السيسي يوميا نشر في جريدته الرسمية في عددها الصادر اليوم الخميس، قراره رقم ٣٨ لسنة ٢٠١٦ بشأن الموافقة على اتفاقية قرض بقيمة 30 مليون دينار كويتي، الموقعة في القاهرة بتاريخ ٢٢-١١-٢٠١٥ بين حكومة مصر والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بشأن المساهمة في تمويل مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، مع التحفظ على شرط التصديق.
كما نشر القرار رقم ٥٢٩ لسنة ٢٠١٦ بالموافقة على الخطابات المتبادلة الموقعة في القاهرة بتاريخ ٢٦-٧-٢٠١٦ بين حكومتي جمهورية مصر العربية واليابان، بشأن تقديم الحكومة اليابانية منحة تصل قيمتها نحو ملياري ين ياباني إلى الحكومة المصرية، لتنفيذ مشروع توريد أجهزة تعليمية وبحثية لصالح الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، وذلك مع التحفظ على شرط التصديق، لتستمر مصر في دوامة التسول من هنا وهناك.
يأتي ذلك بعد مرور أقل من 24 ساعة على إعلان سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى في حكومة الانقلاب، باستلام مليار دولار، قيمة الشريحة الثانية من التمويل المخصص بقيمة 3 مليارات دولار من البنك الدولى، لدعم برنامجها الاقتصادى والاجتماعى، الذي يقوم على رفع الدعم عن الغلابة وتعويم الجنيه.
وزعمت الوزيرة الاثنين الماضي أن الشريحة الثانية ستسهم فى تحفيز استثمارات القطاع الخاص، ودعم الاحتياطي من النقد الأجنبي، والذي يتم تحويله بعد ذلك بالجنية المصرى لدعم المشروعات التنموية التي من شأنها توفير فرص عمل، وتعزيز النمو المستدام العادل، كما أنه يدعم برنامج الحكومة للحماية المجتمعية لمساندة الطبقات والمحافظات الأكثر احتياجا من خلال مشروعات ذات عائد مباشر عليهم.
وكشفت أن منح البنك الدولى مصر الشريحة الثانية يسير في الاتجاه الذي يريده البنك، للموافقة على القرض البالغ قيمته 8 مليارات دولار، منهم 6 مليارات للحكومة و2 مليار لدعم القطاع الخاص، في إطار الشراكة الإستراتيجية لمصر مع البنك الدولي، التي تغطي الفترة من 2015 إلى 2019، وهى فترة سيقدم فيها البنك الدولي للإنشاء والتعمير تمويلا قدره نحو 6 مليارات دولار.
فضيحة دستورية
ولعل جرأة دولة الانقلاب في تمرير الاتفاقيات واستلام القروض وصل لحد استباق مناقشة برلمان العسكر للموافقة على هذه القروض من عدمه، ليؤكد أن البرلمان ما هو إلا محلل لديون السيسي التي يحصل عليها، في الوقت الذي تزكم فيه رائحة دولة الفساد، أنوف الغلابة.
وحصلت مصر بالفعل قبل شهور على القرض الأول من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات و700 مليون دولار، قبل موافقة برلمان العسكر، وتتكون الاتفاقية من مادة واحدة مفادها: «الموافقة على (اتفاق تسهيل الصندوق الممدد) بين جمهورية مصر العربية وصندوق النقد الدولى الذى اعتمده مجلس إدارة الصندوق بتاريخ 11 نوفمبر 2016، وذلك مع التحفظ بشرط التصديق".
وجاء اعتماد مجلس إدارة الصندوق مقابل 422% من حصة مصر فى رأس مال الصندوق، بقيمة 12 مليار دولار أمريكى على مدى 3 سنوات مقسمة على 6 شرائح.
وحصلت مصر على الشريحة الأولى فى نوفمبر 2016 وسوف يعقبها إتاحة باقى الشرائح، حيث أوضحت المذكرة، أن البرنامج يتسم بتركيزة على الاصلاحات الهيكلية واستهداف إجراء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية خلال فترة زمنية مناسبة وهو ما يضمن فترة سداد أطول للدول تتوافق مع تحقيق السياسات الاصلاحية المنفذة لنتائجها المرجوة، على أنه يتم سداد كل شريحة يتم إتاحتها لمصر بعد فترة سماح تبلغ 4 سنوات ونصف ويسدد القرض خلال 10 سنوات من تاريخ الاقتراض، وتبلغ رسوم الإقراض والخدمة السنوية على هذا القرض 1.5- 1.7%. وتضمن الاتفاق أيضا الملخص التتنفيذى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى لإلغاء الدعم المتفق عليه من صندوق النقد الدولى، بالإضافة إلى مذكرة طلب عقد اتفاق للحصول على تسهيل الصندوق الممدد بين جمهورية مصر العربية وصندوق النقد الدولى والمعروفة باسم مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية.
استمرار الاقتراض كارثة
من ناحية أخرى، كشفت الدكتورة علياء المهدي، الخبيرة الاقتصادية، عن أن دين مصر العام قد ارتفع من 97% إلى 103%، لافتة إلى أن الفوائد تزيد بالتتابع مع إجمالي زيادة القروض.
وقالت المهدي، إن فوائد القروض منذ 7 سنوات لم تزد عن 24%، بينما في الوقت الحالي وصلت لـ30%، وفي الغالب سوف تزيد مع هذا العام، مؤكدة أن زيادة الفوائد تفرض بنود جديدة في الموازنة. وأشارت إلى أنه كلما تم زيادة الاقتراض كلما زادت الفوائد، كما أنه تم تخفيض بند الدعم من الموازنة"، مؤكدة أن قيمة الاستخدامات الحكومية كبيرة جدا، الأمر الذي يدفع لمزيد من الاقتراض، مؤكدة أنه طالما سنستمر في طريق الاقتراض فسوف تنهار البلاد بشكل أكبر.
وهو ما اتفقت معه لجنة الخطة والموازنة ببرلمان العسكر، حيث طالبت اللجنة بضرورة الحد من زيادة الدين العام الحكومى وتزايد أعبائه عاما بعد عام، ووضع سياسة متكاملة لإدارته، محذرة من استمرار إهدار المال العام نتيجة زيادة صرف بعض المبالغ فى الجهاز الإدارى للدولة، أو إنفاقها دون فائدة، مطالبة بضرورة محاسبة المخالفين والمتسببين فى إهدار المال العام. ودعت اللجنة إلى التعامل مع الدين الداخلى بخطة وسياسة مالية واضحة؛ تهدف إلى إعادة هيكلته من خلال إهلاك السندات ذات العائد المرتفع واستبدالها بأخرى ذات عائد منخفض، وزيادة الأوراق المالية الحكومية التى يتم تداولها فى سوق الأوراق المالية لتخفيف العبء السنوي لهذه المصادر التمويلية على الموازنة العامة.
كما أكدت على أهمية تقليل الاعتماد على القروض قصيرة الأجل ذات التكلفة العالية، مع إيجاد مصادر تمويلية تعتمد على القروض الميسرة المقدمة من حكومات الدول ومنظمات التمويل الدولية، والعمل على أن تكون أعباء الدين الحكومى فى نطاق القدرة على السداد.
وكانت التقرير الصادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قبل أسبوع بعنوان "مصر في أرقام"، أشار إلى أن مصر تمر بأزمة في كافة المجالات، بعد ارتفاع نسبة التضخم وانهيار الجنيه والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج ، وقلة الإنتاج، وضعف الإنفاق على التعليم والصحة، الأمر الذي ينذر بحقق بشارة قائد الانقلاب: "احنا فقرا أوي".