معركة العز والشرف

- ‎فيمقالات

تمثل عملية هروب الأبطال الستة من أحد سجون الكيان حلقة فى سلسلة معارك العز والشرف التى يخوضها شباب الإسلام، وهى سلسلة ممتدة من الجيل الأول الفريد مرورًا بحقب السلف الميامين، وفى كل موقعة تجد إصرارًا وعزمًا، وثباتًا وصبرًا، وقوة نفسية عجيبة قادرة على مواجهة المصاعب واقتحام المخاطر وفك القيود، ما لا تجده فى غيرهم من الشباب حتى قال شاعرهم «الرفاعى»: (كذلك أخرج الإسلام قومى… شبابًا مخلصًا حرًّا أمينًا، وعلّمه الكرامة كيف تُبنى… فيأبى أن يُقيد أو يهونا، شبابًا لم تحطمه الليالى… ولم يسلم إلى الخصم العرينا).

تحياتنا إلى هذه الثلة المباركة الذين انتزعوا حريتهم، وأبهجوا أمتهم، وأغاظوا عدونا وعدوهم، تحياتنا إلى من تخلت عنهم العروش والجيوش، والقريب والبعيد وصاروا رصدًا لجنود «السلطة العميلة» فى «رام الله»، وصاروا فى المقابل منارات هدى فى عيون شعبهم وسائر شعوب المسلمين، حتى سمعنا أن مواطنيهم حطموا كاميرات المراقبة لئلا تلتقطهم، ووضعوا الأطعمة أمام بيوتهم لعلهم يصادفونها، وعلقوا لهم الملابس على الأشجار وأعمدة الإنارة ليسهل عليهم التخفى بها، تحياتنا إليهم وإلى كل حر أبىّ يضحى من أجل نصرة الدين وعزة المسلمين(دفعوا ضريبة نصر الدين من دمهم… والناس تزعم نصر الدين مجانًا).

نأسف عندما نقول إن «سلطة رام الله» هى الحكومة الوحيدة فى العالم، إن جاز أن نطلق عليها حكومة، التى لها وزارة للأسرى! لكنها لا تفعل لأكثر من (١٠٠٠٠) أسير وأسيرة شيئًا سوى المساعدة فى القبض عليهم وإمداد العدو بالمعلومات لتتبعهم وتقييد حرياتهم، وقد أصدر زعيم هذه السلطة تعميمًا مخزيًا لزبانيته وأعضاء سلطته للإسراع بالعثور على الأبطال الستة وإعادتهم إلى السجن مرة ثانية للحصول على حريتهم – كما زعم- بالطرق القانونية..

وهذا زعم كاذب من رجل رُبِّى وعاش على الكذب والخيانة، فليس بالمخاتلة تتحرر الأوطان، وقد علم أن العمالة لا وزن لصاحبها، وأنه رقيق لدى خصمه وإن بدا فى (البروتوكول) متأنقًا مرتديًا رابطة عنق، وليت تلك العبودية لحقته وحده، إنما هو جاد فى فرضها جبرًا على بنى قومه.

«لقد أوجب الإسلام فك الأسير، ووردت الأخبار عن النبى (صلى الله عليه وسلم) أنه فكّهم وأمر بفكِّهم، وجرى على ذلك عمل المسلمين، وانعقد به الإجماع، ويكون فكُّهم من بيت مال المسلمين، فإن لم يكن فهو فرض على جميع المسلمين، ومن قام به منهم أسقطه عن الباقين»، يقول الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [ النساء: 75]، ويقول النبى (صلى الله عليه وسلم): «فكوا العانى -أى الأسير-، وأطعموا الجائع وعودوا المريض».

وإن ما فعله الأبطال جبرٌ لكسر مزمن أحدثه حكامنا المتعاقبون، وتضحية أوجبها الدين وألزمت المسلم ببذل ما يستطيع من نفس ومال ووقت وجهد ليسود شرع الله وللجم الباطل، وليكونوا حائط صد أمام من لا يرقبون فى مؤمن إلًّا ولا ذمة، والمؤمن القوى خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كلٍّ خير، والله لا يضيع أجر مجتهد؛ ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [ التوبة: ١٢٠].

وإن هذه الحادثة وغيرها من المبشرات لَتُؤكدُ أن المسلمين قادمون، وإن رياحهم تأتى من ناحية الشام وبيت المقدس كما أخبر المعصوم، وإن هى إلا سنوات وسيكون للإسلام صولة لا تعادلها صولة مضت، وقد مرت على المسلمين عقود وقرون وهم متضعضعون لا راية لهم، لكنه النجم الذى يخبو لكنه لا يزول، فإن بدا عم ضياؤه الكون وأنار أرجاء العالمين، وكانت قوته محكمة عدل تنصف المظلومين وتكبت المجرمين (مواكبُ الله سارَتْ لا يُزَعْزِعُهَا… عاتٍ منَ البحرِ أو عالٍ من الأطم، لا يهتفونَ لمخلوقٍ فقدْ علمُوا… أنَّ الخلائقَ والدنيا إلَى العَدَمِ).