قال “اللي مش عايز ميؤمنش”.. لماذا يسمح قضاء السيسي بسفر الملحدين ويمنع المعارضين ويعتقلهم؟

- ‎فيتقارير

يوم 26 سبتمبر 2021 سمحت المحكمة الإدارية العليا بسفر زعيم ملحدي مصر "أحمد حرقان" بعدما ألغت قرارا صادرا من مصلحة الجوازات والهجرة التابعة لوزارة الداخلية بمنعه من السفر خارج مصر.

سماح قضاة المنقلب السفيه السيسي بسفر الملحد "حرقان" ومن قبل التعامل معه بصفته مدونا في مجال نقد الأديان والدعوة لحرية العقيدة من خلال قناته على يوتيوب، لا يبدو متسقا مع حالة القمع العامة التي تواجه جميع معارضي السلطة ومنع المعارضين من السفر واعتقالهم وتلفيق التهم لهم.

ولكنه يتناسب مع أفكار وأراء السيسي الذي أكد في حفل إطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان، وهو يتحدث عن حرية المعتقد أنه لا يختلف مع غير المؤمن بالإسلام قائلا "اللي عايز يؤمن يؤمن واللي مش عايز ميؤمنش".

ولا يتناسب مع منع القضاء المصري عشرات الحقوقيين والمواطنين العاديين من السفر وترقب وصول أخرين لمجرد معارضتهم للسيسي لا كفرهم بالدين.

"حرقان" من أشهر المدونين المصريين الذين يصفهم الغرب بأنه ناقد في مجال نقد الأديان والدعوة لحرية العقيدة من خلال قناته على يوتيوب، لكنه يدعو للإلحاد عبر صفحاته على فيس بوك.

والغريب أنه رغم قرار المحكمة بالسماح له بالسفر فقد أعلن "حرقان" في أكتوبر 2020، من خلال صفحته على فيسبوك، نجاحه في التسلل عبر الحدود المصرية مشيا إلى السودان ثم ليبيا ثم تشاد وصولا إلى تونس، ومنها عبر البحر إلى السواحل الإيطالية في مايو الماضي، وهناك قدّم طلب لجوء سياسي، وذلك بعد تكرار توقيفه واحتجازه في مطار القاهرة إلى ما بعد موعد إقلاع طائرته، ثلاث مرات خلال ديسمبر 2016 ويونيو 2019 وأكتوبر 2019، وفي كل مرة كان يُفرج عنه دون توضيح لأسباب منعه من السفر، ووفقا لبيان المبادرة.

ونشر فيديو عن رحلته عبر الدروب إلى السودان بعنوان "فعلتها". برغم أن قرار القضاء المصري صدر في أعقاب نجاح "حرقان" أكتوبر 2020، في التسلل عبر الحدود المصرية مشيا إلى السودان ثم ليبيا ثم تشاد وصولا إلى تونس، ومنها عبر البحر إلى السواحل الإيطالية في مايو 2021 وهناك قدّم طلب لجوء سياسي، فقد جاءت دلالات حكم القضاء بالتساهل مع الملحدين مثيرة للانتباه.

 

https://www.youtube.com/watch?v=N0CMrDOrYSs

كانت حجة داخلية الانقلاب المقدمة للقضاة لمنعه من السفر هي أن «حرقان يروّج لأفكار دينية هدامة تتعارض مع مصلحة الدولة العليا ونظامها العام ومن شأنها إثارة الفتن في البلاد من خلال تواصله مع جهات أجنبية".

ولكن حين طعن محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أمام «الإدارية العليا» بأن هذه "أقوال مرسلة دون دليل أو سند، وأنه لم يصدر ضده أية أحكام جنائية ولم يتم تقديمه إلى النيابة العامة أو قاضي التحقيق بطلب من جهة الإدارة لإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، تم السماح له بالسفر.

مفارقات القضية أن نفس القضاة تُقدم لهم يوميا عشرات العرائض من أمن الدولة عن خطورة سياسيين وحقوقيين لمنعهم من السفر أو اعتقالهم بنفس الصيغة، لكنهم يؤيدون تمديد الاعتقال والحبس والمنع بينما مع الملحد حرقان اعتبروا من حقه الإلحاد وبالتالي السفر بلا قيود.

 

من سلفي متشدد إلى ملحد

بدأت مسيرة أحمد حرقان مع الإلحاد عام 2013، عبر صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" تحت عنوان "حملة الإشهار بالإلحاد" قالت إنها تهدف لإعلان الملحدين بمصر عن هويتهم والجهر بمعتقداتهم ومعلومات عن خلفياتهم الدينية السابقة، وأصبح عدد المشاركين بها ما يقرب من 9 آلاف شخص.

وقد أبلغ (أحمد حرقان) موقع "مصر العربية" الإخباري حينئذ أنه "قرر ترك الديانة الإسلامية منذ ما يقرب من 4 سنوات، بدعوى أن الدين مبني على نصوص قديمة متناقضة، مع وجود فروق عدة مختلفة مع بعضها البعض".

لاحقا وفي عام 2014، أعلن عدد من الملحدين المصريين والعرب إطلاق قناة تليفزيونية تمثلهم، باسم العقل الحر قالوا إنها "من أجل نشر الفكر العلماني"، وقد اعترف مسئولو القناة ومنهم (أحمد حرقان) الذي كان شابا سلفيا تحول لاحقا للإلحاد، أنه يعتنق الفكر الالحادي علنا في لقاءه مع برامج فضائية مصرية.

حيث قال في لقاء مع برنامج "مصر الجديدة" على قناة "الحياة" المصرية حلقة الاحد 16-11-2014: "أنا أعتنق فكر الإلحاد لعدم وجود إله لهذا الكون".

وقد استضافت القنوات الفضائية المصرية حينئذ عددا من «دعاة الإلحاد» في مناظرات ضد بعض الشيوخ، وانتهت أغلب اللقاءات بطردهم من الإستوديو بسبب إهانتهم للدين في أحاديثهم.

وفي لقاء مع تلفزيون "صوت أمريكا" بعنوان (قناة إلحادية شرق أوسطية تتحدى المحرمات) Middle East Atheist Channel Defies Taboo قال أحمد حرقان إن "العديد من أبناء بلده يعتبرون الإلحاد هو إساءة إلى الدين مما يجعل من غير الآمن له التصريح بذلك علنيا في الوقت الحاضر".

وأعلن أصحاب القناة على موقعهم علي فيس بوك استضافة عدد من المفكرين العلمانيين الذين اشتهروا بنقد أحكام الإسلام والفكر الإسلامي مثل نوال السعداوي وسيد القمني، والدكتور جورج بول الذي يقدم برنامج باسم (بين العلم والخرافة)، وأحمد حرقان.

وقد اعترف خلدون الغانمي، مؤسس القناة، في حوار سابق مع صحيفة (الوطن) الخاصة، أنهم يدافعون عن الملحدين العرب، قائلا إنه "تبنى إنشاء قناة العقل الحر باعتبارها مشروعهم المقبل، لأن هناك العديد من العلمانيين الشرق أوسطيين الذين يرغبون في إنشاء قناة تخص فكرهم بعيدا عن ضغط دولهم ورجال الدين، في الوقت الذي يمتلك بعض رجال الدين قنوات تليفزيونية مسيسة لمصالحهم"، بحسب قوله.

 

تضاعف الملحدين

وفي ديسمبر 2014، أشارت دار الإفتاء المصرية إلى إحصائية تذكر أن العدد الفعلي للمصريين الملحدين أو الذين لا يؤمنون بالأديان السماوية، هو 866 ملحدا.

كما قدمت نفس الإحصائية أعدادا أخرى خاصة بالملحدين في الدول العربية، حيث يوجد، وفق الإحصائية، 325 ملحدا في المغرب، 320 في تونس، 242 في العراق، 178 في السعودية، 170 في الأردن، 70 في السودان، 56 في سوريا، 34 في ليبيا، و32 في اليمن، أي بإجمالي 2293 ملحدا بين 300 مليون نسمة.

أيضا كشفت دراسة استطلاعية أعدتها شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة لصالح شبكة بي بي سي عربي، تزايد أعداد غير المتدينين أو الملحدين العرب بصورة كبيرة، وأنهم يتركزون في مصر وليبيا ودول المغرب العربي.

وأوضحت أن نسبة العرب ممن يصفون أنفسهم بـأنهم غير المتدينين أو ملحدين، زادت من 8% عام 2013 إلى 13% عام 2018 و2019.

وكشفت الدراسة عن رفض دول الخليج قيام الشبكة البحثية باستطلاع أراء الشعب في دولها حول هذه الظاهرة، باستثناء الكويت، ولكن الدراسة لم تتضمن الكويت بسبب وصول إحصاءات الكويتيين متأخرة بعد الإعلان عن الدراسة.

وبحسب الدراسة، تضاعف عدد من يصفون أنفسهم بـ "غير المتدينين" في مصر بين 2013 و2019/2018 بينما تضاعف حجمهم أربع مرات في المغرب، فيما وصف ثلث التونسيين المشاركين أنفسهم بأنهم غير متدينين، وكذلك ربع الليبيين أنفسهم

أوضح استطلاع شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة أن الظاهرة باتت منتشرة بين الشباب العربي خاصة في دول المغرب العربي ومصر وليبيا، وهو ما يربطه محللون بالحملة علي الربيع العربي وقمع الإسلاميين وإطلاق الداعين لفوضى الحرية الدينية دعوات الإلحاد.

وأجريت الدراسة الاستطلاعية على قرابة 25 ألف عربي في 11 دولة عربية شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة الذي شمل آراء 25,407 أشخاص وجها لوجه في 10 دول عربية إضافة إلى فلسطين،