« مصر بلد العباقرة».. إحدى أخطر الجراحات في العالم تتحدى أكاذيب السيسي

- ‎فيتقارير

"يعمل إيه التعليم في وطن ضايع" " إحنا عايشين في أشباه دولة وليست دولة"، عبارتان من سلسلة عبارات نفسية محبطة وهدامة يذخر بها كتالوج السفاح السيسي، ورغم ذلك ومن قلب سواد الانقلاب الذي خيم على مصر في 30 يونيو 2013، يخرج بين الحين والآخر شعاع النور الذي يؤكد أن مصر رغم التجريف والتدمير العسكري ستظل بلد العباقرة، وليست مأوى الراقصات ونفايات العسكر أمثال وحمو بيكا وشاكوش وسوستة.

وأجرى الدكتور هاني عبدالجواد لطفلة تبلغ 7 سنوات جراحة معقدة في العمود الفقري، في وقت تجري فيه أحداث سريعة ومتلاحقة، وسط تعتيم مريب من عصابة الانقلاب تشير إلى ملف "فساد خطير" داخل وزارة الصحة، أطرافه قيادات كبيرة بالوزارة ومدير مكتب الوزيرة، بل والوزيرة نفسها والتي جرى سماع أقوالها قبل انهيارها وتعرضها لأزمة صحية حادة.

 

أنا مبسوط جدا

"الحمد لله أنا مبسوط جدا"، هكذا عبر الدكتور هاني عبدالجواد عن امتنانه وشكره لله بعد شفاء الطفلة "لارين"، ٨ سنوات، والتي كانت تعاني من تشوه معقد جدا بالعمود الفقري و تعقيده كان لعدة أسباب، منها نوع التشوه الخلقي المتعدد و الوزن القليل، والسن،  يقول الدكتور هاني  "زارتني دلوقتي بعد شهرين من العملية وأسعدتني جامد و كان نفسي يطول اللقاء أكثر".

ويضيف الدكتور عبد الجواد "كانت عمليتها عبارة عن توتر مستمر في الإعداد ليها و أثناء إجرائها، لكن كان لابد من تحمل المسؤولية و المخاطرة الرهيبة اللي كانت في تزايد مع الوقت و قد كان كرم ربنا و فضلة علينا عظيما، اللهم لك الحمد، دلوقتي سيبت الناس قاعدة في العيادة وقعدت احتفل مع نفسي".

وبينما يحتفل الدكتور عبد الجواد بنجاح عملية الطفلة "لارين"، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها ديكلان وولش قال فيه إن "السفاح السيسي وعد بتحسين الصحة وجعلها على رأس أولوياته، إلا أن فيروس كورونا عرّاه، وكشف كيف قدم السفاح مصلحة الجيش على الشعب".

فعندما انتشر الوباء في النيل خلال فصل الربيع، شعر طبيب شاب في مستشفى عام بالقاهرة بالقلق، ثم تحول القلق إلى الغضب، خاصة أن المرضى بدأوا يتدفقون على أبواب المستشفى بدون أن تكون هناك مصادر كافية للتعامل معهم.

ولم يكن لدى الأطباء المعدات الواقية، بل كانوا يعتمدون على قناع واحد في المناوبة التي عادة ما تستمر 24 ساعة، ولم تتوفر معدات الفحص، مما أدى إلى إصابة الزملاء والأصدقاء بالفيروس، ومات منهم عدد كبير.

وقبل ستة أعوام، تعهد السفاح السيسي بأن يضع الصحة في مركز أجندته، لكن الأمر لم يكن كذلك، فالنظام الصحي كان يتعرض لضغوط كبيرة، مما دعا الطبيب الشاب إبراهيم بديوي البالغ27 عاما للتحذير على الإنترنت في مايو قائلا “لن يكون أي طبيب آمنا في هذا الوضع الحالي ولا حتى عائلته”.

 

الطبيب أصبح إرهابيا

وبعد أيام من نشر الطبيب الشاب إبراهيم بديوي هذا التعليق، هاجمت قوات الأمن بيت عائلته واعتقلته، حيث يواجه سلسلة من الاتهامات المرتبطة بالإرهاب، وفي كل دولة على الكرة الأرضية بما فيها الثرية، لم يكن فيروس كورونا تحديا كشف عن محدوديتها، بل قاد إلى محاسبة قادتها السياسيين، وزاد من ثروة البعض وعرّض آخرين للخطر.

 وفي مصر كان الوباء بمثابة الفرصة للسفاح السيسي كي يظهر الإصلاحات الواسعة في النظام الصحي التي وعد فيها عام 2014، ولكن الوباء كشف عن كذبه وقيامه بالنصب والاحتيال على الشعب.

وفي الأشهر الأولى من الأزمة، كافحت المستشفيات التي عملت فوق طاقتها، وقرر الأطباء الغاضبون الإضراب عن العمل، ومن تجرأ منهم على الانتقاد وجد نفسه في السجن.

وأصبحت مصر واحدة من الدول العربية التي ترتفع فيها نسبة وفيات فيروس كورونا، وفي الوقت نفسه واصل السفاح السيسي قطع الدعم عن الفقراء، والإسراف بالإنفاق على صفقات السلاح التي وصلت إلى 12 مليار دولار.

ويرى خبراء الصحة، أن نهج عصابة الانقلاب أعطى الرأي العام حسا زائفا بالأمن، ويقول بيير نابت من منظمة الصحة العالمية “يميل الناس للاعتقاد أن الوباء قد انتهى، وهذا وضع مثير للقلق لأن موسم الشتاء لم يبدأ بعد”.

وفي المنطقة، فمستويات الفحص في مصر تتفوق على حالات الفحص في اليمن وسوريا، وتأتي بعد العراق والأردن وحتى ليبيا التي مزقتها الحرب، ويرى الكاتب أن هشاشة النظام الصحي الذي لا ينفق عليه الكثير، يكشف عن جوهر السفاح السيسي الديكتاتوري، الذي يؤبد فيه عدم المساواة ويكافئ الجيش على حساب المواطنين.

ويقول وولش، إن "السفاح السيسي حنث بأول وعوده بعد فترة قصيرة من نطقه، فبعدما وصل إلى السلطة في انقلاب يوليو 2013، أعلن السفاح للمصريين أن الجيش لا نية له للحكم هم خارج السياسة”.

وبدا واضحا أن السفاح السيسي لم تكن لديه رغبة بالتخلي عن الحكم، واستولى على السلطة في عام 2014 بانتخابات شكلية بنسبة 95% من الأصوات، وفي يوم تنصيبه، ألقى خطابا وصل إلى درجة العقد الاستبدادي مع المصريين.

ومقابل حريات سياسية معدومة، وعد السفاح السيسي بتحسين الأمن والازدهار وتحسين الخدمات العامة خاصة إصلاح القطاع الصحي، ووعد بتخصيص ميزانيات له، وبناء مستشفيات جديدة وزيادة رواتب الأطباء الذي يهاجرون بأعداد كبيرة إلى دول الخليج، وفي قلب كل هذا الدستور الجديد الذي ألزم الحكومة بتخصيص نسبة 3% من الناتج المحلي للقطاع الصحي في كل عام.

وبحلول عام 2019، كشفت أرقام حكومة الانقلاب أن نسبة الثلث من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وهي أعلى من نسبة 28% عام 2015.

وفي الأيام الأولى من انتشار فيروس كورونا، بدا وكأن سمعة السفاح السيسي لمعت بسبب الرد المصري، ولجأ إلى الجيش لإظهار صورة من الغرور والقدرة، وانتشرت أشرطة فيديو متقنة تظهر جنودا في زي محاربة الأسلحة الكيماوية وهم يرشون المطهرات في الشوارع الخالية، وصفوفا من سيارات الإسعاف في الصحراء تنتظر المرضى، بل حول السفاح السيسي الأزمة إلى فرصة علاقات عامة، حيث قام بإرسال كميات من المعدات الطبية إلى دول أخرى، مظهرا صورة الديكتاتور القوي السخي.

وكانت تلك صورة رمزية عن الطريقة التي أدار فيها السفاح السيسي مصر، حيث يُملي جنرالات الجيش والأمن من يُرشح ويُنتخب في البرلمان، بل وما يعرض من مسلسلات في التلفزيون، وكانت مصر ثالث مستورد للسلاح في الفترة ما بين 2015- 2019 حسب معهد أبحاث السلام في ستوكهولم.

وخصص السفاح السيسي 58 مليار دولار لبناء عاصمة جديدة في الصحراء خارج القاهرة، وزادت ميزانيات الصحة بسبب اكتشاف الغاز في البحر، ولكن السفاح ظل بعيدا عن هدفه بإنفاق 3% من الناتج المحلي العام على القطاع الصحي، وفي العام الماضي كانت النسبة ما بين 1.3- 1.8%.

ومن بين 740 مستشفى عام، هناك 25 مخصصة للجيش، و110 أخرى تديرها جامعات وتعالِج قوات الأمن والموظفين المدنيين، وفي أدنى السلم هناك 600 مستشفى عام الكثير منها في حالة سيئة، وهي التي ضربها الوباء بشكل شديد.

ولا يزال الطبيب إبراهيم بديوي في السجن، وهو واحد من تسعة عمال صحة سُجنوا بسبب نقدهم حكومة الانقلاب وطريقة معالجتها للوباء، وذلك حسب منظمة أمنستي إنترناشونال، وأنجبت زوجته العام الماضي ابنة سمّتها "ماريا".