لماذا شن الاحتلال عدوانه على غزة في هذا التوقيت؟

- ‎فيتقارير
Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi meets with Israeli Prime Minister Naftali Bennett, in the Red Sea resort of Sharm el-Sheikh, Egypt, September 13, 2021 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.

استشهد أكثر من عشرة فلسطينيين بينهم طفلة، وأصيب العشرات في العدوان الذي تشنه عصابات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، منذ فجر الجمعة 05 أغسطس 2022م ،  أبرزهم تيسير الجعبري أحد قيادات المقاومة بحركة الجهاد الإسلامي، بينما رشقت المقاومة البلدات المحتلة بأكثر من مائة صاروخ.

وكشفت مصادر مصرية مطلعة عن تفاصيل انهيار الوساطة بين المقاومة من جهة والاحتلال من جهة أخرى، حيث شهدت ساعات ما قبل العدوان  أجواء متوترة خلال الاتصالات، قبل أن يعلن الأمين العام لـ"حركة الجهاد الإسلامي"، زياد النخالة، التوقف عن التجاوب مع الرسائل الإسرائيلية التي جاءت عبر الوسيط المصري، بسبب ما وصفه بأنه استهلاك للوقت دون الموافقة على أي من المطالب التي قدمتها الحركة.

وحتى كتابة هذه السطور لا تزال حركة حماس على تواصل مع الجانب المصري ولم تعلن انقطاع الوساطة، و قدمت طلباً مشتركاً بشأن استمرار عمل فتح معبر رفح أمام حركة الأفراد والبضائع في حال استمرار العمليات العسكرية، معتبرة أن أي تصرف خلاف ذلك سيكون بمثابة توافق مصري مع الأهداف الإسرائيلية يقلل من نزاهة الوساطة بما سيحد من تعاطي الحركتين مع تحركات القاهرة. بالتزامن مع تواصل حماس مع الجانب المصري فإن الحركة منخرطة في ذات الوقت في الغرفة المشتركة لأجنحة المقاومة في خوض المعركة باسم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأنهم لن يتركوا "الجهاد" بمفردها في الساحة.

وفي محاولة لتبرئة الموقف المصري المتواطئ على الدوام مع الاحتلال، فإن المصدر المصري كشف عن خداع إسرائيلي حيث كشف أن "اللهجة الإسرائيلية خلال اتصالات الوساطة كانت مغايرة تماماً من قبل المستوى السياسي، حيث كان هناك حث لمصر على لعب دور في احتواء الفصائل لعدم التصعيد، قبل أن تفاجأ القاهرة بالغارات الإسرائيلية"، مشددا على أن المسؤولين في مصر لم يكن لديهم علم بها قبل وقوعها، رغم أن هناك أبلغت القاهرة عدم التفات المقاومة، وعلى رأسها "حماس" لتهديدات إسرائيل بتصعيد الهجوم حال ردت المقاومة، مشددة على أنها "مستعدة لخوض معركة طويلة، سيندم من اتخذ قرار العدوان، وأشعلها.

في هذه الأثناء، أصدرت القاهرة تعليمات  لأطقمها العاملة في مجال إعادة الإعمار بالقطاع بحي الشجاعية بالتزام أماكن إقامتهم وعدم التنقل في أي من الأحياء بالمناطق التي يتواجدون فيها. وجرى إعلام جيش الاحتلال بمواقع هذه الأطقم بدقة لضمان سلامتهم ووضع الاحتلال أمام مسئولياته حال تعرضهم للخطر. وصدرت تعليمات كذلك من الخلية المسئولة عن الوساطة داخل جهاز المخابرات لوزارة الخارجية بحكومة الانقلاب لإرجاء  بيان إدانة العدوان الإسرائيلي على أمل  أن تنجح الوساطة في وقف العدوان.  و تم التوافق في إطار غرفة العمليات على إرسال وفد مصري رفيع من جهاز المخابرات العامة إلى تل أبيب بقيادة مسؤول ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال الساعات القليلة المقبلة في إطار تسريع محاولات احتواء التصعيد وتفادي الذهاب إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.

 

بداية التصعيد

بداية التصعيد جاءت من طرف الاحتلال الإسرائيلي، باعتقال القيادي في الحركة في جنين بسام السعدي بطريقة همجية والاعتداء عليه، الأمر الذي استفز حركة الجهاد الإسلامي التي أعلنت رفع درجة الجاهزية في صفوف قواتها، ردا على اعتقال السعدي؛ وكان وفد من حركة حماس قد زار القاهرة الثلاثاء 02 أغسطس 2022، بقيادة مسؤول مكتب مصر في الحركة روحي مشتهى، بهدف احتواء تداعيات التوتر في القطاع. والأربعاء أعلن الاحتلال تأهب قواته في محيط قطاع غزة، تحسباً لهجمات من "الجهاد الإسلامي"، بعدما كان جيش الاحتلال قد شرع، الثلاثاء، في إغلاق طرق في التجمعات الإسرائيلية في غلاف غزة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية، إنه "تقرّر في ختام جلسة أمنية تقييمية تجنيد نحو مائة عنصر احتياط، أي ثلاث سرايا لمساعدة فرقة غزة (إحدى فرق الجيش) في إغلاق الطرق في محيط قطاع غزة". وأضافت: "تستمر حالة التأهب الأمنية في المنطقة تحسباً لقيام حركة الجهاد الاسلامي بإطلاق قذائف صاروخية أو صواريخ مضادة للدروع، رداً على اعتقال القيادي بسام السعدي". وتابعت: "طُلب من الجنود عدم الوقوف مكشوفين أمام القطاع، لتجنب التعرض لإطلاق نار القنص". وأشارت إلى أن الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي "أوعزت إلى نحو أربعة آلاف وخمسمائة مواطن في القرى المجاورة للسياج الأمني، بأن يصلوا إلى منازلهم عبر الحقول الزراعية المخفية عن الحدود".

من جهتها، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الأمن بني غانتس قوله: "إذا لم يكن من الممكن العودة إلى الحياة الطبيعية في غلاف قطاع غزة، فلن تكون هناك حالة طبيعية داخل غزة أيضاً". بدوره، قال موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري الإسرائيلي إن "القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي ومجموعة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى لاحتمال إطلاق صواريخ". وقبل العدوان قالت  صحيفة "يسرائيل هيوم" الثلاثاء إن إسرائيل أوضحت أنها لن تقبل بمبدأ فصل الجبهات، بمعنى أنه "في حال نفذ تنظيم فلسطيني عملية كبيرة انطلاقاً من الضفة الغربية، ستتم جباية ثمن من قيادته في قطاع غزة". وحسب الصحيفة فإن "المؤسسة العسكرية في إسرائيل ترى أن حماس والجهاد الإسلامي معنيان بالتصعيد وتنفيذ عمليات في الضفة الغربية من دون الحاجة إلى إشعال مواجهة معها انطلاقاً من غزة".

 

لغز التوقيت

وحول سر توقيت العدوان؛ فإن تزامن مع جهود وساطة مصرية لإتمام صفقة تبادل أسرى بين الطرفين؛ لكن"حكومة الاحتلال الحالية لا تريد أن تظهر في موقف ضعف أثناء ذهابها لإتمام صفقة تبادل الأسرى، لإدراك القيادات الحالية مدى تأثير تلك الخطوة على نتائج الانتخابات المقبلة المقررة في نوفمبر المقبل 2022". وأكدت أن "الإجراءات الأمنية التي تنفذها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية هدفها إعلامي لمخاطبة الداخل الإسرائيلي في المقام الأول".

وأوضحت المصادر أنه "خلال اتصالات جرت أخيراً مع الجانب الإسرائيلي طالبت القاهرة بضرورة تهيئة المناخ لإطلاق عملية إتمام الصفقة"، مؤكدة أن "لعبة توازنات تسعى إسرائيل لتطبيقها، نظراً للخلافات السياسية الداخلية في تل أبيب، نتيجة الأزمة السياسية الراهنة".

وكشفت المصادر أن الأيام الأخيرة الماضية "شهدت مباحثات بين القائمين على الملف في إسرائيل ومصر، بهدف الوصول إلى حل لعقبة المؤبدات"، حسب تعبير أحد المصادر، في إشارة إلى أصحاب المحكوميات الكبيرة بين الأسرى وأعدادهم في القوائم المطروحة من "حماس". وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد يسعى جاهداً هو وغانتس للتوصل إلى صيغة تسعفهما لإتمام الصفقة قبل الذهاب لصناديق الاقتراع، إلا أن المؤشرات الحالية، بحسب المصادر، "ربما لن تقود إلى ذلك في القريب". وأرجعت المصادر ذلك لكون الأمر "يحتاج إلى حكومة إسرائيلية قوية غير هشة لتكون قادرة على اتخاذ القرار، بخلاف أن هناك أطرافاً إسرائيلية تعمل على عرقلة الجهود في الوقت الراهن، وربما يكون ذلك لأسباب انتخابية".

شن الاحتلال عدوانه يريده خاطفا بعدما قتل المقاومين العشرة؛ لأن إطالة الحرب وتوسعها قد تون له تداعيات سلبية على حكومة الاحتلال  في الانتخابات المقبلة.

في غضون، ذلك نقلت وسائل الإعلام العبرية تفاصيل مسيرة لعائلات الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس"، تم تنظيمها بمبادرة من عائلة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن، الأسير لدى الحركة منذ عدوان 2014. وتأتي المسيرة بمناسبة مرور 8 سنوات على أسر الجنديين غولدن وأورون شاؤول. وتأتي المسيرة لعائلات الجنود الأسرى، بعد 4 أيام من إعلان أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس"، أن الاحتلال قد استهدف موقعاً وجد فيه أحد الجنديين الإسرائيليين الأسيرين، موضحاً أن القصف الذي نفذ العام الماضي خلال العدوان على قطاع غزة المحاصر، أسفر عن استشهاد "أحد مجاهدي وحدة الظل" المكلفة بإخفاء الأسرى، وإصابة آخرين.

ويعتبر هذا الإعلان من قبل "كتائب القسام"، تلميحاً إلى أن أحد الأسيرين الجنديين الإسرائيليين لديها، لا يزال على قيد الحياة، في حين تتبنى سلطات الاحتلال رواية رسمية تقول إن الأسيرين الجنديين قد قُتلا خلال الحرب على القطاع عام 2014.