لهذه الأسباب «الجامعات الأهلية» خطر على الأمن القومي المصري

- ‎فيتقارير

يتفق خبراء  ومتخصصون على أنّ بناء الجامعات الأهلية ما هي إلا خطوة أولى نحو خصخصة التعليم العالي في مصر، وسلب الجامعات الحكومية، كوادرها التدريسية وحرمانها من أساتذتها وقاماتها العلمية والبحثية، إذ إنّ من المقرر انتداب أساتذة الجامعات الحكومية للتدريس في الجامعات الأهلية، برواتب أعلى، يدفعها الطلاب من نفقات تعليمهم التي تفوق تلك التي يدفعونها في الجامعات الحكومية.

وكان السيسي قد أصدر الخميس 22 سبتمبر 2022 قرارات جمهورية بإنشاء تسع جامعات أهلية جديدة في عدد من المحافظات المختلفة.  وتمثل هذه الخطوة ردة حكومية عن مجانية التعليم من جهة كما تمثل خطرا على الأمن القومي للبلاد من جهة أخرى للأسباب الآتية:

  1. خطوة السيسي لاقت ولا تزال تلاقي كثيرا من النقد والإدانة؛ وانصب النقد أولا على أن مفهوم "الجامعة الأهلية"؛ فبحسب القاموس، تعتبر الجامعات الأهلية هي التي ينشئها المواطنون أو الأهالي وليست الحكومة. وهي التي يديرها ويمولها المواطنون لا الحكومة. ما يدهش ثانياً أنّ الاجتماع الذي عُقد لبحث إنشائها اهتم أساساً بمباني هذه الجامعات التي ستتولى تنفيذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ولم يتطرق إلى المسألة الأساسية في إنشاء أيّ جامعة، وهي هيئة التدريس في هذه الجامعة". وما يدهش ثالثا، أن قرار إنشاء هذه الجامعات لم يتم بناء على نقاش مجتمعي بل تم إقراره بقرارات فوقية دون أي نقاش مجتمعي.
  2. من جهة ثانية، يتعارض توسّع نظام السيسي في إنشاء الجامعات الأهلية في المدن والمنتجعات الجديدة، مع المادة 21 من الدستور التي تُلزم الدولة بـ"تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية غير الهادفة للربح، وضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية". كما يؤكد دستور مصر 2014 على الحق في التعليم، حيث نصت مواد الدستور على إلزام الدولة بتخصيص نسبة لا تقل عن 7% من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق الحكومي على التعليم، بواقع 4% للتعليم قبل الجامعي، و 2% للتعليم الجامعي و1% للبحث العلمي، على أن تتصاعد تلك النسب تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، مع تأكيد التزام الدولة بمجانية التعليم وضمان توفيره بمراحله ومؤسساته المختلفة وفقا لمعايير الجودة العالمية.
  3. من زاوية ثالثة، فإن هذه التوجهات الحكومية   تخالف فتوى أصدرها مجلس الدولة في يونيو 2017م، ببطلان خصخصة التعليم العالي والجامعات"، حيث أكدت عدم دستورية ممارسة أي جامعة سواء كانت خاصة أو حكومية للأنشطة الهادفة للربح، استناداً إلى أن الدساتير المتعاقبة منذ 1971 ومواكبة منها لزيادة نسبة التعليم وتلبية احتياجات المجتمع من التخصصات العلمية الحديثة، ألزمت الدولة بالإشراف على التعليم كله وكفالة استقلال الجامعات والبحث العلمي، باعتباره من المقومات الأساسية للمجتمع، وحرصت على تكريس دور الدولة في هذا المجال، فألقى على عاتقها كفالة استقلال المؤسسات التعليمية وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة التعليمية، وتطويره بالتعاون مع القطاعين الخاص والأهلي ومساهمة المصريين في الخارج. وشرحت الفتوى الفارق بين تحقيق الجامعات عموماً للربح جراء الفارق بين مواردها ومصروفاتها، وبين أن يكون غرضها تحقيق الربح، بأنه "يجب عليها ألا تقدم قصد المضاربة على غرض التعليم والبحث العلمي"، مشددة على أنه "لا يجوز لأية جامعة حكومية أو خاصة إنشاء شركات مساهمة أو المشاركة فيها مع مستثمرين، لأن هذه الشركات يكون غرضها الأساسي أو الوحيد تحقيق الربح".
  4. من جهة رابعة، فإن هذه الجامعات «الأهلية الحكومية» ستعتمد كليا على الجامعات الحكومية بمواردها الهائلة من حيث النشأة والموارد وهيئة التدريس؛ حيث سيتلقى أعضاء هيئتها التدريسية مرتبات أعلى من الجامعات الحكومية تأتي من رسوم الطلاب في الجامعات الأهلية. معنى ذلك أن  الجامعات الأهلية ذات الرسوم الأعلى من الحكومية والأقل من الخاصة أو المساوية لها سوف تسهم في تدمير الجامعات الحكومية وتدهور مستواها من خلال سحب الأكفاء والخبراء من هيئتها التدريسية، كما أن من يتبقى من هيئة التدريس في الجامعات الحكومية لن يجدوا حافزا للاهتمام بالتدريس في ظل الإحساس بالظلم والتفرقة الطبقية. وبذلك يدمر السيسي الجامعات الحكومية لصالح الجامعات الأهلية والخاصة في خطوة صريحة نحو إلغاء مجانية التعليم الجامعي، وخصخصته.
  5. من زاوية خامسة،  قرار إنشاء الجامعات الأهلية سوف يكرس الطبقية على عدة مستويات، أولا بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية مقارنة بغيرهم من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الأهلية والخاصة فيما يتعلق بالرواتب والحوافز والإمكانات. وعلى مستوى الطلاب أيضا؛ «صحيح أنّ طلاب الجامعات الحكومية هم الأكثر تفوقاً وجدية، لكنّ هذا لا يهمّ الطلاب الأقلّ تفوقاً، من أبناء الطبقات الغنية، ممن لا يذهبون إلى الجامعات الحكومية لأنّهم لا يتمكنون من تحقيق شروط القبول العلمية فيها، ولا يريدون أن يختلطوا بغيرهم من الطبقات (ممن هم أفقر منهم). هل هذا منطق يقنع أحداً سوى من شاركوا في صنع مثل هذا القرار!؟".
  6. من جهة سادسة، ينتقد كثيرون توجهات النظام والتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية الحكومية وفقا لأحدث المعايير العالمية كما تم الإعلان عنها من خلال إنشاء مكتبات ومعامل وحرم جامعي لكن المشكلة هي غياب الحرية الأكاديمية وغياب الكوادر التعليمية القائدة والطالب الشغوف بالعلم والمعرفة والذي سيدفع تكاليف الدراسة في مناخ فاسد وانعدام مطلق للحرية الأكاديمية. وفي تقرير لها بعنوان "جامعات بلا حريات أكاديمية"، صادر في يوليو/تموز 2020، سلطت مؤسسة حرية الفكر والتعبير – وهي منظمة مجتمع مدني مصرية – الضوء على انتهاكات حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، التي برزت بشكل متزايد مع بداية عام 2013، وهو العام الذي شهد زيادة في حالات المنع أو الاعتراض على رسائل الماجستير والدكتوراه. وأبرز التقرير كيف استخدمت السلطة عبر أجهزتها المعنية أساليب التهديد والتخويف بحق أعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات المصرية إلى أن تحوَّل التدريس إلى عملية تلقين للطلاب من دون محاولة تنمية الفكر النقدي والمناقشة والتعبير الحرّ عن الرأي والفكر.
  7. من زاوية سابعة، فإن إنشاء هذه الجامعات «الأهلية الحكومية» هو تحويل التعليم من حق إلى سلعة، وبالتالي يتعامل نظام السيسي مع الملف بمنطق السماسرة والتجار وليس بمنطق أهل الحكم الرشيد؛ ذلك أن أعظم موارد الدولة هم البشر والاستثمار فيهم بالتعليم والصحة هو الطريق الوحيد نحو أي نهضة و تقدم. ويبرهن على ذلك أن نسب القبول في الجامعات الخاصة والأهلية تقل بنسبة أكثر من 10% للكليات العملية و25% للكليات النظرية، مقارنة مع الجامعات الحكومية، وذلك لإتاحة الأماكن للطلاب الراغبين في الالتحاق بكليات مثل الطب والصيدلة والهندسة، رغم انخفاض درجاتهم الدراسية، مقابل سداد رسوم سنوية ضخمة تتراوح بين 36 و210 آلاف جنيه في الجامعات الخاصة، و31 و105 آلاف جنيه في الجامعات الأهلية. وكانت الحكومة قد شرعت في تنفيذ مخطط لتحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة، بنسبة لا تقل عن 75% تدريجياً، والتدرج في تحويل بعض الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية، فيتشارك القطاع الخاص مع الدولة في إدارتها، ليتحمل المستثمرون جزءاً من الأعباء التي تتحملها الدولة حالياً، على أن تكون الأولوية للمستثمرين المتخصصين في مجال التعليم والثقافة، الذين يمتلكون الجامعات والمدارس والأكاديميات والمعاهد الخاصة الهادفة إلى الربح في الأصل.
  8. ثامنا، يتجاهل النظام أن المؤسسات العامة ـ رغم عللها الكثيرة ــ هي التي تنهض بالأدوار المجتمعية وقت الأزمات؛ أو ليست مؤسسات التعليم العام هى التى تخدم المجتمع عندما يواجه أزمة كما أوضحت أزمة جائحة كورونا التى حولت فيها وزارة الصحة المستشفيات الجامعية إلى مستشفيات حجر بعد أن وجدت المستشفيات الخاصة فى ظروف الجائحة فرصة للكسب وابتزاز المواطنين؟ أو ليس أساتذة الجامعات الحكومية هم الذين تستعين بهم الحكومة عندما تواجه تحديات صحية مثل انتشار فيروس سى أو غيره؟ أو ليس كل المصريين الذين حققوا سمعة دولية وبرزوا خارج البلاد من نجيب محفوظ ومجدى يعقوب وأحمد زويل ومحمد البرادعى، وعصام حجي وغيرهم كثيرون هم من خريجى هذه الجامعات؟ أو ليس معظم رؤساء الوزارات والوزراء من المدنيين فى حكومات مصر حتى فى حكومة مصطفى مدبولى من خريجى هذه الجامعات الحكومية؟ فلماذا اليوم يريدون تدمير مستقبل البلاد وحرمان قطاعات واسعة من شباب مصر من حقهم في التعليم الجامعي المجاني كما تعلموا هم من قبل بالمجان ووصلوا إلى أرقى  المناصب؟!