تركي الحمد: مصر وصلت إلى الحضيض.. دلالات الهجوم السعودي على نظام السيسي

- ‎فيتقارير

الانتقادات اللاذعة التي وجهها الأكاديمي السعودي تركي الحمد لنظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، ووصفه لمصر بأنها وصلت تحت حكم السيسي إلى الحضيض واتهامه للجيش بالفساد والتسبب في هذه الأزمة، هذه الانتقادات تؤكد توتر العلاقات بين البلدين؛ ذلك أن تركي الحمد لا ينطق عن هواه  بل هو محسوب على السلطة السعودية؛ وبالتالي إن هجومه اللاذع على الجيش ونظام السيسي إنما هو تعبير عن الهوى السعودي ونظرته للأمور في مصر في هذه المرحلة الحرجة.

وكان تركي الحمد قد كتب سلسلة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حاول من خلالها أن يشرح أسباب التردي والوضع المزري الذي وصلت إليه مصر الآن، حيث باتت “اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك”. وبرر الحمد انتقاداته هذه بقوله إن “الحديث عن مصر ليس حديثا عن أية دولة عربية أخرى، وليس تدخلا في شؤونها الداخلية، فمصر كادت أن تكون في يوم من الأيام هي كل العرب، وتاريخها الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في طموحاتهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم، لذلك فإن الحديث عنها هو حديث عن مصير عربي مشترك”.

في البداية، قارن الحمد بين مصر في العهدين الملكي والناصري ومصر في عهد السيسي. ويرى أن مصر ـ  في الذهن العربي ـ ليست مصر واحدة، بل مصران: الأولى وصفها بمصر النموذج منذ بدايات مصر الحديثة في عهد محمد علي الكبير. أو النموذج الطموح في العهد الناصري منذ سنة 1952م. أما مصر الحالية فهي مصر الأخرى يقول الحمد: «في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أم جمهوريا.. فما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، والتي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟!».

وحول أسباب هذا التدهور يتساءل الحمد: «لا يمكن تفسير الحالة المصرية بعامل واحد، وخاصة بعد سقوط الملكية، وبدايات الصعود إلى الهاوية، بل هي عدة عوامل لعل من أبرزها، أولا: هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى سواء كنا نتحدث عن القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، والذي كان في أقوى حالاته في العهد الملكي».

المتهم الثاني في تدهور الأوضاع في مصر حسب تركي الحمد هو البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والتي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية.

المتهم الثالث هو الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من فوق، سواء كان هذا الفوق هو السماء ومفاجآتها وأبطالها المقبلين من الغيب، أو الدولة بجلال قدرها وفرعونها ذي الصولجان، المالك لمفاتيح التغيير وخزائن المن والسلوى، مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة. وأردف: “هذه الثقافة ريفية الجذور، فرعونية التاريخ، ربما لها علاقة بالنيل في فيضانه وانحساره، وبالفرعون في بسطه وانقباضه. مثل هذه الثقافة كانت شبه قاصرة على القرية المصرية طوال التاريخ المصري، ومعزولة تماما عما تمر به المدن، وخاصة القاهرة والإسكندرية تحديدا، من حركات تحديث وتنوير ومبادرات.. مجتمعية مستقلة في العصر الحديث، ولكن مع فتح الباب لاجتياح الريف للمدينة في أعقاب حركة يوليو، فقد أصبحت هي الثقافة السائدة كليا في كل مصر تقريبا. هذه هي أهم ثلاثة عوامل لا يمكن فهم ما يجري في مصر دون أخذها في الاعتبار وفق ظني، وليس كل الظن إثم في كل حال”.

 

توتر العلاقات بين البلدين

وتأتي انتقادات تركي الحمد بعد أيام قليلة من تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان الذي شدد فيها الأربعاء 18 يناير3م، خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا، على أن بلاده غيّرت طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط. قائلا: «اعتدنا على تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط.. ونحن نغير ذلك.. كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات». .ويؤكد أن «المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، نحن في حاجة لأن نشهد إصلاحات. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم».

وفي نفس يوم تصريحات الوزير السعودي نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية،  تقريرا، أفادت فيه  بوجود “أزمة” تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجيه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، ويجري العمل على حلحلتها على مستوى رفيع. وتنقل الصحيفة عن مصادر مطلعة  تربطها علاقات وثيقة بالسفارة السعودية في القاهرة، أن حكومة السيسي ترغب في أن تكون عمليات الاستحواذ السعودية على شركات تابعة للحكومة أو للأخيرة نسبة فيها، ما يسمح بدخول الدولار إلى السوق المصرية بشكل مباشر، في حين تفضل الحكومة السعودية الاستحواذ على شركات مملوكة للقطاع الخاص استغلالها لرغبة الكثير من رجال الأعمال التخارج من السوق المصري لعدم الشعور بالأمان بعد ما جرى مع صاحب شركة جهينة وغيرها. ويعمل السيسي من جانبه على دفع الرياض نحو ضخ  (5) مليارات دولارات من خلال شراء أصول مصرية تابعة للحكومة، مع ضخّ استثمارات أخرى في شركات القطاع الخاص، وهو ما كان يتعين مناقشته على هامش الاجتماعات المقرَّرة في أبوظبي، بحضور “السيسي” وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لم يشارك.