10 سنوات على تبني الجيش “جهاز الكفتة”.. لم يعتذر أو يحاكم أحد

- ‎فيتقارير

مرت الذكرى السنوية العاشرة للإعلان الرسمي الذي أطلقته القوات المسلحة عن اكتشاف جهاز لعلاج فيرس سي والإيدز “بواسطة الكفتة”، وذلك في 22 فبراير 2014، مع تشكيك منذ اللحظة، الأولى من باحثين وعلماء وخبراء فيما وصفه الجيش بالاختراع والمعجزة العلمية، خاصة أنه لم ينشر في أية مجلة علمية دولية، بل إنه كان سببا في استقالة د. عصام حجي من منصب المستشار العلمي لرئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور الذي تم وضعه في مقعد رئيس الجمهورية بواسطة الانقلاب العسكري.

 

المثير للسخرية والشفقة في آن واحد أن الجهة التي دعمت المشروع الوهمي وروجت له هي القوات المسلحة، كما حضر المؤتمر الصحفي للإعلان عن الجهاز عدلي منصور ووزير دفاع الانقلاب عبد الفتاح السيسي، كما تم ضم عدد من الأسماء الطبية الكبيرة لإضفاء صبغة الجدية على المشروع، فيما تم تبشير المصريين بأن العلاج سوف يكون متاحا للمدنيين أيضا، فضلا عن العسكريين؛ ففي يوم الأحد 23 فبراير 2014 نشرت الصحف خبرا منسوبا لمصدر عسكري زف بشرى للمصريين، بأن المدنيين أيضا سوف يستفيدون من العلاج بالجهاز الجديد الذي ابتكرته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة؛ حيث قال نص الخبر: “أكد مصدر عسكري مسؤول أن الجهاز الذي ابتكرته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لعلاج فيروس الكبد الوبائي “سي”، وفيروس نقص المناعة المكتسب المعروف بالإيدز، هو لخدمة المدنيين وليس العسكريين فقط، وسوف يتم التنسيق مع وزارة الصحة لتوسعة مجال استخدامه والاستفادة منه في المستشفيات المختلفة، وقال المصدر إن الجهاز استغرق العمل فيه ما يقرب من 5 سنوات، وأجريت العديد من التجارب الخاصة به، وكانت نسبة النجاح أكثر من 90%، وأشار إلى أن قيادات الهيئة الهندسية للجيش سوف تعلن تفاصيل الجهاز مساء اليوم في مؤتمر صحفي تعقده بمقر إدارة الشؤون المعنوية”.

 

 بمجرد الإعلان عن المشروع تحول إلى مادة ثرية للسخرية على مستوى العالم؛ حيث وصفت صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية عن تصريحات اللواء إبراهيم عبد العاطي مخترع جهاز علاج فيروس الإيدز، التي أكد خلالها توصله إلى جهاز للقضاء على فيروس كورونا، غير منطقي وغير عقلاني.

 

واعتبرت الصحيفة الإيطالية، أن مصر حاليا تعيش عصر التغيب الطبي بعد ظهور اختراع يعالج فيروس سي والإيدز دون وجود أي دليل قاطع على ذلك، مما يثبت أن ذلك الاختراع ليس له أي أساس من الصحة.

 

الصحيفة كانت قالت: إن “اختراع جهاز الكفتة يضع الجيش المصري في موقف محرج جدا، بسبب عدم وجود تجارب ملموسة تؤكد صحة هذه الاختراعات حتى اﻵن، أي إن الشعب المصري سيفقد ثقته في الجيش، بسبب مخترع الكفتة والذي تمحورت حوله عدة اتهامات تفيد بأنه كان يخترع علاجات بالأعشاب الطبيعية”.

 

وعود وهمية

ومع تكرار تأجيل الجيش في مصر الإعلان عن فتح باب العلاج بالجهاز، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 14 مايو 2017: إن “تأجيل القوات المسلحة المصرية الإعلان والبدء بشكل رسمي في علاج المصابين بفيروسي نقص المناعة المكتسبة “إيدز”، وفيروس الكبد الوبائي “سي” وذلك لمدة 6 أشهر”.

 

وأضافت أن “وعد الجيش في فبراير الماضي ببدء استقبال المرضى للعلاج بجهاز كشف الفيروسات الإثنين القادم أثار مخاوف من عودة الوعود الكبيرة التي يعجز الحكام عن الوفاء بها، وهو ما حدث في تلك القضية، وأن الاهتمام الكبير الذي أثاره الاختراع لدي المصريين، الذين يعاني أكثر من 10% منهم من فيروس سي، والذي تحول إلى ما يشبه الوباء”.

 

وأضافت الصحيفة: أن “الباحثين والخبراء شككوا حينها فيما وصفه الجيش بالاختراع والمعجزة العلمية، خاصة أنه لم ينشر في أية مجلة علمية دولية ذات سمعة طيبة”.

 

لا تقدير للقانون

 وكانت لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء عدة مرات الأطباء الـ9 المروجين لجهاز “سي فاست” المعروف إعلاميا بـ”جهاز الكفتة”، المزمع علاجه لفيروس “C”، بعدما تقدم مئات الأطباء بشكوى للنقابة عن الاختراع الموهوم إلا أن المروجين من أطباء الجيش فضلوا عدم المثول أمام اللجنة، وهو ما اعتبره نقابيون استخفافا بجهة التحقيق.

 

وقررت هيئة التأديب الابتدائية بنقابة الأطباء، وقف 3 أطباء لمدة عام سبق وقُدمت ضدهم شكاوى لقيامهم بالإعلان والترويج لجهاز علاج فيروس سي والإيدز، المعروف بجهاز الكفتة، قبل إتمام الخطوات العلمية الواجبة والمعتاد عليها، مما أدى إلى الأضرار بملايين المصريين صحيا ونفسيا.

 

وأكد بيان صادر عن النقابة، الأحد، أن القرار صدر بحق الأطباء الثلاثة لمخالفتهم للائحة آداب المهنة الصادرة بقرار وزير الصحة رقم 238 لسنة 2003 لتسدل الستار على “الاشتغالة” التي أدارها المجلس العسكري دون حياء أو خجل.

 

وقررت النقابة سابقا إحالة 9 أعضاء جدد، من المروجين لجهاز الكشف عن الأمراض الفيروسية إلى لجنة آداب المهنة وملاحقة اثنين من غير الأطباء بتهمة انتحال صفة طبيب، أحدهما اللواء إبراهيم عبدالعاطى، واتهمت اللواء إبراهيم عبدالعاطى، بانتحال صفة طبيب في أحد البرامج التليفزيونية، وأوصت بمساءلة وزير الصحة لعدم عرضه الحقائق التي تخص الجهاز حتى الآن، بصفته مسئولا عن صحة المصريين، وذلك بناء على مذكرة أعدتها مجموعة من الأطباء، بتكليف من هيئة مكتب النقابة.

  

الترويج لم يكن لعلاج فيروس سي فقط، واستشهدت بالمؤتمر الذي نظمته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى 23 فبراير 2014، وأعلنت فيه عن 3 اختراعات علمية، جهاز الكشف عن الأمراض الفيروسية C Fast، وجهاز علاج الأمراض الفيروسية (Complete Cure Device (CCD، بالإضافة إلى الكبسولات العلاجية المصاحبة للجهاز.

 

وأضافت المذكرة أن الجهاز لم يحصل على براءة اختراع، بسبب عدم قيام مقدم طلب إثبات البراءة ما يثبت صحة النظرية العلمية التي يعتمد عليها، وكذلك ما يثبت التجارب العلمية والإكلينيكية، ونوهت بأن الجهاز تمت تجربته على البشر منذ أكثر من عام ونصف العام، أي قبل الإعلان عنه، ما يعد مخالفة صريحة لقواعد البحث العلمي المنصوص عليها في المادة 60 من الدستور المصري، التي تنص على عدم جواز إجراء أي تجارب طبية أو علمية على البشر إلا وقفا للأسس المستقرة في العلوم الطبية.


عقار سوفالدي

وفي محاول لمحو جهاز الكفتة من الذاكرة، تعاقدت القوات المسلحة في يوليو 2014، من خلال وزارة الصحة بحكومة الانقلاب مع شركة أمريكية لطرح عقار لها لعلاج فيروس “سي” بين المصريين، في وقت طالب فيه مواطنون مصريون مصابون بالفيروس الجيش المصري بالاعتذار عن عدم وفائه بوعده بتيسير جهاز “الكفتة”، الذي أعلن أنه سيكون جاهزا لعلاجهم بدءا من 30 يونيو الماضي، دون أن يفي بذلك. 

وزير الصحة والسكان حينئذ عادل عدوي، أشار إلى تأكيد تطبيق مصر لشروط العقد، الذي يقضي بضمان عدم تهريب الدواء إلى خارج البلاد، ومنحه لأعداد معينة من المرضى، خاصة أن المرحلة الأولى من الدواء بها 225 ألف جرعة ثم عادت وصنع الانقلابيون الدواء.


والطريف أن “عدوي” لم يشر إلى جهاز الكفتة وقال حينئذ “الوزارة لن تقف عند هذا الدواء، وستخوض مفاوضات مع أي شركات أخرى تنتج عقارا لفيروس سي، فضلا عن محاولة إنتاج عقار الفيروس داخل مصر”. 

 

ويُعتبر مرض التهاب الكبد الوبائي “فيروس سي” من أخطر الأمراض التي تواجه مصر، إذ تحتل المركز الأول على مستوى العالم في انتشار الفيروس، بحسب أحدث إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، ذكرت أن نسبة انتشار الفيروس بلغت 22%، بما يعادل 15 مليون مصري، وأن معدل الإصابة السنوية بالفيروس وصل إلى ما بين 200 ألف و300 ألف حالة، وهي نسبة عالمية مرتفعة للغاية.