لقي الإعلان عن وقف إطلاق النار وإنهاء حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة ارتياحا وترحيبا داخل الأراضي الفلسطينية وعلى المستوى العربي والعالمي، وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض الاتفاق بمثابة انتصار تاريخي للمقاومة الفلسطينية، شكك بعض الخبراء في التزام دولة الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق .
وقال الخبراء: إن “إسرائيل قد تواصل الحرب عقب تحرير أسراها كما أنها تعمل على ضمان تواجدها في القطاع وفرض منطقة عازلة لحصار غزة من الجهات الأربعة”.
وأوضحوا أنه في السياق ذاته، طلب مسئولو حركة حماس، وضع تفاصيل محددة للإفراج عن السجناء الفلسطينيين، وتضمين بنود الاتفاق خرائط واضحة للمناطق التي ستنسحب منها قوات الاحتلال.
وأشاروا إلى أن من ضمن الصعوبات التى تواجه تنفيذ الاتفاق، مطالبة حركة حماس تضمين استلام جثمان يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي وزعيم الحركة في الصفقة، محذرين من أن بنود الصفقة قد تتحول في أي لحظة إلى قنبلة موقوتة.
يشار إلى أنه حسب بنود الاتفاق، تتكون الصفقة من عدة مراحل وتمتد إلى أكثر من 100 يوم، أولها المرحلة الإنسانية، والتي تمتد لاثنين وأربعين يوما، وتشمل تبادلا للأسرى من النساء وكبار السن من الجانبين، وإدخال المساعدات الإنسانية مع استمرار العمليات العسكرية وعدم توقفها إلا أثناء فترات التبادل، على أن يبدأ التنسيق على تنفيذ بنود المرحلة الثانية في اليوم السادس عشر من المرحلة الأولى.
وتأتي أولى الثغرات في اتفاق الهدنة، فيما يخص الانسحاب التدريجي من قطاع غزة وليس بشكل كامل، لا سيما مع رغبة إسرائيل في استمرار تواجدها داخل محور فيلادلفيا وهو ما ترفضه حماس.
كما ترغب إسرائيل في عودة المنطقة العازلة لتمتد على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع بعمق أكبر مما كانت عليه قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023، بعمق يصل إلى 2000 متر، بينما تريد حركة حماس أن تعود المنطقة العازلة بحدودها الطبيعية قبل أحداث أكتوبر بعمق من 300 لـ500 متر من خط الحدود.
انتصار كبير
من جانبه قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن “الإتفاق الذي تم الإعلان عنه في الدوحة بين حركة حماس ودولة الاحتلال حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، علي أن يبدأ سريانه اعتبارًا من يوم الأحد القادم ، هو في واقع الأمر انتصارا كبيرا للشعب الفلسطيني ، الذي أكد تمسكه بأرضه ووطنه ، وأنه لن يسمح، ومهما كانت التضحيات التي سيقدمها ، بتكرار النكبة الأولى”.
وأضاف “هريدي” في تصريحات صحفية : الاتفاق جاء بعد جهود لم تتوقف طوال الخمسة عشر شهرا الماضية وبعد جولات مفاوضات عدة منذ مايو الماضي، مشيرا إلى أن مصر وقطر والولايات المتحدة يمثلون آلية متابعة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
مرحلة مهمة
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية والسياسية الدكتور رمضان قرني أن الاتفاق يمثل مرحلة مهمة في الصراع العربي الإسرائيلي وفي القضية الفلسطينية تحديدًا في ضوء التداعيات الخطيرة التي أفرزتها العمليات الصهيونية طوال ما يناهز 470 يومًا داخل الأراضي الفلسطينية علاوة على التداعيات الخطيرة على الضحايا نتيجة هذا العدوان الغاشم في البنية التحتية في الساحة الفلسطينية، لافتا إلى نقطة جوهرية ترجمها حجم الاحتفالات من الأشقاء الفلسطينية التي خرجت في العديد من المدن الفلسطنية باعتبارة آلية منضبطة لوقف نزيف الدم .
وقال “قرني” في تصريحات صحفية: يبدو أن هناك تنافسا دبلوماسيا أمريكيا بين إدارتي الرئيسين “بايدن” و”ترامب” وكلاهما بذلا جهودا لإنجاح الاتفاق بالتعاون مع الشريكين المصري والقطري ومن يتابع الخطاب الإعلامي لكل من الإدارتين، يجد أن إدارة ترامب كانت تتميز بالتباهي في نسبة هذا الاتفاق لها، وهو أمر متسق مع سلوك ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية والنعرة القومية التي يتميز بها بشكل عام.
وأضاف: إدارة ترامب تريد أن تمارس سلطتها من 21 يناير الجاري دون عراقيل أو تخوفات أو حروب في المنطقة وفي نفس الوقت إدارة بايدن تريد أن تترك رسالة أخلاقية مفادها التعبير عن جهودها الدبلوماسية.
وكشف “قرني” أن إنفاذ الاتفاق عقب 72 ساعة أي يوم الأحد المقبل يثير تخوفات في الساحة السياسية الفلسطينية بشأن احتمالية استمرار العمليات العسكرية، ومن ثم فإن التزام الجانب الصهيوني بما يسمى ضبط النفس والانتهاء من العمليات العسكرية سيعطي مؤشرًا حقيقيًا للالتزام .
وتوقع أن نشهد مرحلة جديدة في الشرق الأوسط بعد حرب غزة ولبنان والتخلص من نظام بشار الأسد في سوريا واختيار رئيس جديد لدولة لبنان في ظروف صعبة، معربا عن أمله فى الإعلان عن مشروع لإعادة إعمار غزة قريبًا مثل مشروع مارشال الذي أطلق عقب الحرب العالمية الثانية.
أوراق ضغط
وقال اللواء أركان حرب هيثم حسين، المستشار بكلية القادة والأركان: إن “دولة الاحتلال قد لا تطيق الصبر على مراحل الصفقة وتطلب تسليم جميع أسراها بالكامل دون التزام بالاتفاق ومراحله المدرجة”.
وشدد «حسين» في تصريحات صحفية، على ضرورة الوضع في عين الاعتبار رغبة دولة الاحتلال في الاحتفاظ بأوراق ضغط للتفاوض المستقبلي، منها استمرار السيطرة على بعض المواقع الجغرافية، والاحتفاظ بعدد من الأسرى الفلسطينيين وعدم الإفراج عنهم إلا بعد الإفراج عن جميع الأسرى الصهاينة.
إسرائيل مجبرة
في المقابل أكد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن اتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق الهدنة قارب على دخوله حيز التنفيذ وفق التوافقات التي تحدث حاليًا بين الطرفين.
وأضاف «حجازي» في تصريحات صحفية : من أبرز المكاسب تمكين الفلسطينيين من إدارة قطاع غزة عقب البدء في تطبيق الهدنة وتبادل الأسرى.
وقال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن “إسرائيل في مأزق حقيقي ومجبرة على التوصل لاتفاق الهدنة وتبادل الأسرى”.
وأضاف «فهمي» في تصريحات صحفية : نتنياهو يريد إتمام صفقة تبادل الأسرى وغلق ملف قطاع غزة بشكل مؤقت حتى يعاود نشاطه في مواجهة حزب الله بلبنان والحوثيين في اليمن .
وأشار إلى أن مفاوضات الدوحة تحقق له ما يريد، لذا تسير الأمور بشكل جيد وتم الاتفاق على الإطار.