كيف حوّل الانقلاب تليفونك إلى “عصفورة”

- ‎فيتقارير

كتب سيد توكل:

السيد المواطن الساكن في كل شارع أو حي أو عطفة لا تتحدث في المحمول، لأن الموبايل فيه آذان صاغية ولا تستخدم بريدك الإلكتروني لأن غيرك سيستقبله، هكذا وضعت الصحف العالمية سلطات الانقلاب على رأس قائمة تنتهك خصوصية المواطن وتتجسس على مكالماته دون إذن قضائي، بعدما أكدت حكومة الانقلاب بأن ترددات "الجيل الرابع"، المتاحة لمصر تسلمتها وتشغلها "جهات سيادية"، إضافة للقوات المسلحة، وأن تسليم الترددات المتعاقد عليها للشركات الأربعة، تستلزم إنهاء "الجهات السيادية" لشغلها لهذه الترددات، وهو ما يتم بجدول زمني قد ينتهي قريبا.

السؤال الآن لماذا يفخر مسئولو الانقلاب بأنهم على علم بدبة النملة فى أرض مصر؟ ولماذا يتعمدون بمناسبة أو دون مناسبة الإشارة والتلميح إلى أن حياة المواطن محفوظة لديهم في أدراج مكاتبهم بالصوت والصورة؟

يفعلون ذلك بإصرار وتلقائية ثم يعودون للنفي كمرحلة أولى لا يصدقها الناس، ثم يرفعون شعار حماية الأمن القومي كمرحلة ثانية لتبرئة ساحتهم من تهمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، ثم يبدءون فى سرد الحكايات عن التنظيمات العصابية والإرهابية، التي سقطت بفضل مراقبة المكالمات الهاتفية والرسائل البريدية والعملاء المنتشرين في كل مكان.

حجب "العربي الجديد"
محاولات سلطات الانقلاب في تنصيب برمجيات المراقبة والتتبع على أجهزة الجيل الثالث، وهو ما تسبب في تعويق الإنترنت لفترات خلال العام الماضي، فإن اشتهار واقعة التمكن من منع موقع "العربي الجديد"، وتطبيق "سيجنال"؛ كمثالين، يعدان أبرز العلامات التي أثارت تكهنات بأن نفس الأجهزة تماطل في تسليم الترددات حتى تضمن السيطرة على تدفق بث الجيل الرابع في مجتمع ما زال يحمل آثار ثورة حملتها تقنية الجيل الثالث من "الاتصالية" على تطبيقاتها.

ونشر تقنيون يفيدون أن ارتفاع تكلفة التطبيقات والأجهزة الخاصة بالتحكم في تدفق بث الجيل الرابع دفعا سلطات الانقلاب لتكليف الشركات الأربعة بشرائها وتسليمها إليها، وهي نفس التكلفة التي كانت تعيق التسليم أيضا.

إحكام سيطرة العسكر على المجتمع في مصر تجاوزت فكرة المراقبة، ودعمها في ذلك تغييب القانون، وفقدانه القدرة على كبح جماح قبضة الانقلاب.

ومع ضخامة تكلفة أجهزة التحكم في الإنترنت، فإن الحكومة بإمكانها الانتظار قليلا، والضغط على شركات الاتصالات الأربعة فيها لشراء هذه الأجهزة وتسليمها للأجهزة الأمنية لتتولى تركيبها وبرمجتها بمعرفتها، وإلا فسيكون عليها تحمل تكلفة تقديم خدمات الجيل الرابع على بنية تحتية كانت متعثرة في تأدية خدمات الجيل الثالث.

التجسس أيام المخلوع
"طارق كامل" وزير الاتصالات أيام المخلوع مبارك، قال في جلسة فرفشة وأنس لأعضاء نادى «روتارى كايرو رويال»: (نعم نسمح للأجهزة الأمنية بالتنصت على مكالمات المواطنين الشخصية سواء عبر الهاتف المحمول أو الأرضى ومش معقولة هندخل كل الأعداد دى فى خدمة التليفون وهنسيب البلد دون ضوابط، لأننا إذا لم نسمح بالتنصت فهذا يعنى أن أحداً من المستثمرين لن يأتى إلينا، ونحن نتيح التنصت لأنه لابد أن يكون هناك دور للدولة).

انتهى اعتراف وزير المخلوع قبل ثورة 25 يناير، وتأكيده على أن التجسس على هواتف المواطنين وأحاديثهم الخاصة يتم بشكل تلقائى دون الحاجة إلى قانون أو إذن قضائى ودون أن يكون هناك فرق بين الشخص المشتبه فيه والشخص السائر بجوار الحيط، بل إن التجسس على المواطنين هو دور الدولة الطبيعى وفى نفس الوقت هو أحد أهم عوامل جذب الاستثمار، أى والله قال كده، الأهم من كل هذا أن ثلاثة شهور ونصف بالتمام والكمال مرت على اعتراف الوزير ولم يصدر عنه نفى ولا تصحيح أو حتى مجرد شوية طراوة لحفظ ماء الوجه.

ومن قبل اعتراف وزير الاتصالات الطرف الثانى فى عملية التنصت، كان هناك اعتراف للطرف الأول فى العملية وهو وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي، الذى أكد أن المكالمات الهاتفية تتم مراقبتها، ثم قال فى تحد واضح حينما أبدى محاوره بعضا من الاستغراب «واللى خايف ميتكلمش»!

حتى البابا تجسسوا عليه!
طرف ثالث فى معادلة التنصت على الهواتف هو شركات المحمول، حيث أكدت «آنى مولينز» المدير الدولى لمعايير المحتوى بشركة فودافون، أن شركة فودافون سلمت حكومة المخلوع مبارك بيانات اتصالات بعض متظاهرى المحلة، وأن هذه البيانات ربما تكون قد استخدمت فى التعرف على هويات المحتجين فى مظاهرات المحلة، مشيرة إلى أن مصر من ضمن الحكومات التى تستغل القواعد والقوانين لأغراض أخرى.

ولكى يطمئن قلبك، ولكى لا تفرط كثيرًا فى كلام الحب مع خطيبتك أو كلام السياسة مع صديقك، دعنى أنقل لك اعترافًا صريحًا وواضحًا لـ"شنودة الثالث"، الذى حذر المسيحيين فى إحدى عظاته الأسبوعية من الاعتراف الهاتفى، مؤكدًا أن أمن الدولة يراقب الهواتف ولا يصح أن يكون الاعتراف منقولا على الهواء مباشرة!

الحديث المعتاد عن الأمن القومى والأمن العام، سرعان ما يتحول إلى حجة أصبح بسببها لكل مواطن «ودن» عسكرية داخل سماعة تليفونه سواء كان الأرضي أبوتلات قروش أو الموبايل، والمسألة سهلة وبسيطة إما أن تتم من داخل الشركة صاحبة الخدمة أو عبر أجهزة أخرى صغيرة مثل جهاز«TX» الذى يجعل من المراقب شريكا لك فى الهاتف أو يحول تليفونك إلى جهاز إرسال قادر على نقل جميع المكالمات والأحاديث التى تدور بقربه حتى ولو كان مغلقا.

البعض توصل لحل عبقرى لتلك الأزمة عبر وضع الهواتف المحمولة وهى مغلقة داخل «حلة ألومنيوم» تفاديا لاستخدامه كجهاز تنصت على أحاديثهم، هذا بخلاف برنامج آخر صممته إحدى الشركات الألمانية يمكنه اصطياد جميع الإشارات الصادرة عن الهاتف المحمول وتحويلها لمكالمات مسموعة!