بسبب فساد المحليات وعدم التزام محافظي الانقلاب بتطبيق القوانين وإجراءات التراخيص والحماية المدنية تشتعل الحرائق في الأسواق الشعبية في مصر المحروسة من وقت لآخر، وتكون الخسائر بالمليارات بجانب الخسائر في الأرواح التي لا تقدر بثمن، لكن حكومة الانقلاب لا تقيم لها وزنا.
وتتزايد الحرائق خلال فصل الصيف، خاصة داخل الأسواق، التي تنتشر فيها الأسلاك والوصلات الكهربائية بشكل عشوائي، ما يمهد لوقوع كوارث تتسبب في خسائر ضخمة، في ظل تكدس المحلات بالبضائع القابلة للاشتعال كالقماش والملابس والمواد البلاستيكية.
وتتضاعف الخسائر بسبب غياب عناصر السلامة والأمان، وعدم قدرة المحليات على إجبار ملاك أو مستأجري هذه الوحدات على مراعاة تلك المعايير، حفاظا على سلامتهم، وحماية لممتلكاتهم.
كانت منطقة حارة اليهود بوسط القاهرة قد شهدت حريقا هائلا ، وهو ليس الأول من نوعه، فالسوق الشهير المزدحم، غالبا ما يشهد حرائق متكررة، والسبب عدم وجود وسائل للحماية والدفاع ضد الحرائق، ويساعد على ذلك تحويل الوحدات السكنية إلى مخازن للبضائع، دون توافر عوامل الأمان بها، وبالتالي أصبحت جميعها عُرضة للحرائق بشكل مستمر، فضلا عن وجود توصيلات كهرباء غير شرعية، ونتج عن هذا الحريق مصرع 3 أشخاص، وإصابة 8 آخرين.
وأكد شهود عيان أنهم فوجئوا باشتعال الحريق في مخزن أدوات تجميل ومحل أجهزة كهربائية وعدد من الباكيات، وحاولوا السيطرة عليه، إلا أن الأقمشة والمواد البلاستيكية ساعدت على سرعة اشتعال الحريق وامتداده.
السيدة زينب
في العام الماضي التهم حريق ضخم عشرات المحال والأكشاك في سوق تجاري بحي السيدة زينب، عمره نحو 70 عاما ملاصق لمسجد السيدة، وأسفر عن خسائر تقدر بملايين الجنيهات، مع إصابات بشرية طفيفة باختناقات نتيجة الأدخنة الكثيفة.
نفس الأمر كان قد تكرر في عام 2020، في سوق توشكى بمنطقة حلوان جنوب القاهرة، وامتد الحريق لعدد كبير من المحال التجارية والتهم محتوياتها التي تقدر بملايين الجنيهات، ورجح أن السبب هو الماس الكهربائي أيضا، مع حرارة الصيف.
وفي 2019 وقع حريق مماثل في سوق العتبة، تسبب في تدمير ٧٠ محلا ، كما أتى حريق عام 2018 على ثلاثة محلات ومخزنين للخردوات والملابس، و6 طوابق كاملة من مول تجاري بمنطقة حارة اليهود.
وفي عام 2017 أتت النيران على جانب كبير من سوق «إمبابة» الشعبي، ما أدى إلى خسائر قدرها أصحاب المحلات بحوالي 30 مليون جنيه، وتحولت المنطقة إلى خراب ودمار، في الوقت الذي كان الباعة يستعدون لاستقبال المشترين استعدادا لعيد الفطر المبارك.
الغورية
ولا ننسى الحريق الهائل الذي طال الغورية والرويعي بوسط القاهرة عام 2016 وكان أخطرها وأكثرها اشتعالا وسبب خسائر اقتصادية واجتماعية ضخمة، ولم تعرف أسبابه حتى الآن.
وفي عام 2015 حدث حريق في مخزن للألعاب النارية، والتهمت النيران أحد العقارات بشارع جوهر الصقلي بوسط القاهرة، وسط دوي انفجارات الألعاب النارية، كما نشب في نفس اليوم، حريق هائل بعقار مكون من 4 طوابق بحارة اليهود بحي الموسكي.
وتفحمت 13 جثة من بين 15 قتيلا في حريق وقع في 29 يوليو 2013 بالموسكي نتيجة مشاجرة بين أحد أصحاب المحال وبين بعض الباعة الجائلين، وقبلها بعدة أشهر شب حريق بأحد مخازن الإسفنج بشارع عبدالعزيز بمنطقة الموسكي.
منظومة حريق
حول هذه الحرائق التي لا تتوقف قال المهندس هشام علي، عضو اللجنة العليا للسلامة والصحة المهنية بنقابة المهندسين : “الحادث الأخير الذي وقع بمنطقة العتبة ليس الأول من نوعه، فقد وقع حريق كارثي عام ٢٠١٦ بنفس المنطقة، وتشكلت لجنة من نقابة المهندسين بقرار من نقيب المهندسين كانت تضم مهندسين استشاريين متخصصين من عدة شعب، ورفعت توصيات مهمة بعد بحث الحادث، لكن لا أعلم إن كانت الجهات الإدارية المختصة، أخذت بها من عدمه.
وشدد «علي»، في تصريحات صحفية على أنه مع تكرار الحوادث في تلك المنطقة المكدسة بالمواطنين، فلابد من حظر النشاطات الخطرة، خاصة أن المنطقة كلها شوارع وحارات ضيقة جدا، وتوجد بها مواد قابلة للاشتعال والانفجار، بسبب كمية البضائع المكدسة داخل المحال والمخازن وحتى الشقق السكنية التي تحولت إلى محال تضم ملابس وأقمشة مصنعة من مواد بولي بروبلين وبولي إيثيلين، وهي مواد شديدة الخطورة في ظل الحمل الحراري لها، وتؤدي إلى انبعاث، غازات سامة وخانقة وقاتلة بعد احتراقها، كما توجد مخازن عطور بها مواد كحولية ومنتجات بلاستيكية ومئات الآلاف من كراتين ضخمة تحتوي منتجات متنوعة .
وطالب بضرورة إزالة هذه الأنشطة بالكامل، وإنشاء منطقة تجارية مؤمنة ضد الحرائق، أو عمل منظومة حريق تلقائية، في المنطقة وشوارعها تضم شبكة رشاشات تلقائية، مع صناديق مزودة بحنفيات حريق بالشوارع وحظر إشغال الشوارع بأي أنشطة.
وأوضح «علي» أن هناك عدة اشتراطات للسلامة أثناء إنشاء المخازن هي: إقامة كافة منشآت المخازن من مواد غير قابلة للاشتعال، وأن يكون للمخزن أكثر من مخرج، وتوفير فتحات الإضاءة والتهوية الطبيعية المناسبة مع تزويدها بسلك صلب مزدوج ضيق النسيج لمنع إلقاء أي أجسام غريبة داخل المخزن، كما يجب أن تكون جميع التوصيلات والتجهيزات الكهربائية داخل المخازن مركبة وفق المواصفات الفنية التي تضمن سلامة المخازن من خطـر الحريق، ولا يسمح بأجراء أي تعديلات أو إضافات إلا تحت إشراف المسئولين عن الكهرباء، كما يجب تزويد كل مخزن بسكينة خارجية لفصل التيار الكهربائي عند انتهاء الدوام أو في حالات الطوارئ.
المخازن
وطالب بضرورة تجهيز المخازن بأجهزة ومعدات الإطفاء التي تتناسب مع المساحات المخصصة لها ونوعية المواد التي سيتم تخزينها بالمخازن، ويراعى تجهيز مخازن المواد الكيماوية بنظام الإطفاء التلقائي، نظرا لدرجة خطورتها العالية، كما يجب تجهيز المخازن بوسيلة لإنذار الحريق، وتوصيلها بغرفة المراقبة بالدفاع المدني والحريق لضمان إعلام الفرق المتخصصة بالدفاع المدني بمكان الحريق، مما يضمن انتقالها بسرعة لإخماده.
وشدد «علي» على ضرورة أن تكون الأسوار الخارجية المحيطة بالمخازن بالارتفاع المناسب الذي يضمن عدم تسلقها، وكذلك بناء غرفة للحارس عند البوابة الرئيسية لها وتجهيزها بمعدات السلامة ولوحة إنذار رئيسية للحرائق، ونظام للمراقبة التليفزيونية حتى يتسنى للحارس مراقبة المخازن ضد الحريق أو السرقة، كما يجب تقسيم المخازن ذات المساحات الكبيرة إلى وحدات صغيرة، وذلك بإقامة فواصل من مواد مقاومة للنيران بحيث يصعب نفاذ الحريق منها، وبذلك يمكن حصر الحريق داخل الحيز المحدود دون الانتشار إلى باقي المبنى.
وأشار إلى ضرورة توفير سلالم آمنة لاستخدامها في حالة الطوارئ، وإجراء صيانة دورية لأجهزة ومعدات الإطفاء الموجودة بالمخازن وتعليقها في أماكن ظاهرة يسهل الوصول إليها، وإجراء صيانة أجهزة إنذار الحريق بصفة دورية وتوصيلها بغرفة المراقبة بالدفاع المدني، كما يجب توفير أجهزة ومعدات الإسعافات الأولية بالمخازن.
وعن أسباب الحرائق بأماكن التخزين الخارجي ، قال «علي»: إنها “قد تنتج عن إلقاء بقايا سيجارة مشتعلة في مكان التخزين، أو اتصال شرر أو أجزاء متطايرة من نار قريبة من موقع التخزين، وغالبية الأغطية المستخدمة لحفظ البضائع من التأثيرات الجوية تصنع من مواد سهلة الاحتراق تساعد على انتشار الحريق بالمواد المخزنة، بالإضافة إلى تعرض المواد المخزنة لدرجات حرارة عالية في فصل الصيف.
وأكد أن هناك وسائل لمنع انتشار الحريق، مثل وسائل ونظم شبكات الإنذار وشبكات مكافحة الحريق، وكلها تندرج تحت مسمى الكود المصري للحريق، وأيضا كود البناء الموحد، ولكن المحليات لا تلزم أصحاب الأنشطة بها، وهناك أنشطة بدون ترخيص لا تلتزم بتطبيق الكود، فأحد شروط الترخيص هي موافقة الحماية المدنية على ممارسة النشاط، فضلا عن عدم وجود مسارات وشوارع تسمح بمرور سيارات مكافحة الحريق، ولا يوجد ما يسمى حنفيات حريق في الشوارع، ولا يوجد أيضا أفراد مدربون على أعمال الحماية المدنية بتلك المنشآت، فضلا عن تكدس البضائع مع التوصيلات الكهربائية الرديئة وغير المؤمنة.
قانون المحال التجارية
وأعرب الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإدارة المحلية وخبير استشاري البلديات الدولية عن استيائه من عدم تطبيق قانون المحال التجارية بصورة كاملة، رغم صدور اللائحة التنفيذية منذ أكثر من ٥ أعوام، مطالبا محافظي الانقلاب ومن يتبعهم من رؤساء المراكز والمدن والأحياء والوحدات المحلية القروية بتنفيذ قانون المحال التجارية الجديد الذي تم صدوره والتصديق عليه بصفة نهائية .
وقال «عرفة»، في تصريحات صحفية: “يمكن أن تحصل الإدارة المحلية على ما يقرب من ٨٦ مليار جنيه سنويا في صورة تراخيص جديدة وتوفيق أوضاع وغرامات على المحلات المخالفة، فضلا عن تراخيص الإعلانات ومخالفاتها أعلى المحلات”.
ولفت إلى أنه يضيع على دولة العسكر ما يقرب من 43 مليار جنيه، بسبب عدم تطبيق القانون في صورة عدم تأمين عمالة ورسوم تراخيص واشتراك مياه وكهرباء وتحصيل غرامات مخالفات ورسوم تجديد تراخيص ومخالفات إشغال طريق والضرائب ورسوم تأمين صحي على العاملين، حيث إنهم غير ملتزمين بذلك، مطالبا بإنشاء شرطة متخصصة للإدارة المحلية تعاون المحليات في أداء مهامها.