تحتفل الإمارات بعيد الاتحاد الـ53، تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، تاركة تاريخا من الانقلابات الدموية بين العائلة الواحدة، مواصلة العزم على مواصلة محاربة الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي.
فدولة الإمارات العربية المتحدة لا تقل سخونة درجات الحرارة العالية عن ترتيب الأوضاع السياسية الذي رافق إماراتها منذ أن تشكلت سكانياً ومجتمعياً، ومن ثم سياسياً حين تأسست كدولة رسمياً عام 1971.
ومنذ 1761 وتَعاقَب على حُكم الإمارات المتوزعة على ساحل الخليج العربي عائلة واحدة هي آل نهيان، حاكمة إمارة أبوظبي منذ عام، ولكن هذا الحُكم لم يكن مكلَّلاً بالنجاح، بل تخللته الانقلابات العسكرية الدموية والبيضاء داخل الأسرة الواحدة منذ بدايته وحتى اليوم.
تاريخ الدم
في عام 1761 تقلَّد حُكم أبوظبي ذياب بن عيسى بن نهيان، الذي يعد ابن مؤسِّس الإمارة، لكنه اغتيل في ظروف غامضة بحسب عدة روايات تاريخية، تبعه في الحكم نجله شخبوط الذي أدار الإمارة ما بين 1793-1816، ثم نقل الحكم إلى ابنه محمد الذي حكم عامين اثنين فقط، ليعلَن لاحقاً عن وفاته فجأة دون معرفة السبب.
في عام 1818، جاء إلى الحكم طحنون بن ذياب، وبقي حتى عام 1833، ولكنه لم يَسلَم أيضاً؛ إذ تعرَّض لاغتيال غامض، فخلفه شقيقه خليفة حتى عام 1845 والذي اغتيل أيضاً بطريقة غير معروفة التفاصيل تماماً.
عاد الحكم إلى عائلة طحنون وتقلَّده ابنه سعيد عشر سنوات، إلا أنه عُزل بما قيل إنها “إرادة شعبية” عام 1855، ليتسلم الحكم ابن عمه زايد بن خليفة، إذ وطَّد حكمه لأكثر من 54 عاماً، ووافته المنية عام 1909.
تبعه في الحكم نجله طحنون بن زايد مدة سنتين ثم توفي بشكل طبيعي، ليتقلد الإمارة شقيقه حمدان بن زايد حتى عام 1922، لكنه اغتيل على يد أخيه سلطان بن زايد في انقلاب دموي نال خلاله السُّلطة وبقي في الحكم حتى عام 1926، لينتهي مقتولاً أيضاً على يد أخيه صقر بن زايد، الذي بقي في الحكم 3 سنوات ثم اغتيل كذلك على يد ابن أخيه شخبوط بن سلطان، الذي استمر في حكم أبوظبي حتى عام 1966.
في أغسطس من عام ١٩٦٦ أعلنت بريطانيا حالة الطواريء في أبو ظبي وحاصرت القوات البريطانية “قصر الحصن”، ومنه اعتقلت الشيخ شخبوط وعزلته عن الحكم، وسلمت كرسي الحكم لشقيقه الشيخ زايد.
أما المعزول شخبوط فقد أرسلته بريطانيا بداية للبحرين ومن ثم لبريطانيا ومنها إلى لبنان، ثم نقل لخرم شهر في إيران، وبعد أن تم التخلص من ولديه في ظروف غامضة وهما في مرحلة شبابهما.
الأول سعيد ولي عهد الشيخ شخبوط وابنه الأكبر توفي عام ١٩٦٦ أي بعد انقلاب الشيخ زايد بسنة، ثم تبعه الآخر، سلطان، حينها أعاد الشيخ زايد شقيقه شخبوط ليقيم تحت الإقامة الجبرية، بعد أن تأكد أن لا خطر منه.
بعد فترة أخذت الشيخة “سلامة بنت بطي” تسأل ابنها زايد: “وين أخوك شخبوط ما أسمع له رمس” فيرد الشيخ زايد: “سافر يداوي عيونه”، كانت في ذلك الحين قد كبرت وذهب أكثر بصرها، وبرتها الأحزان بعد أن فقدت زوجها وعرشه.
ثم بدأت تفقد أولادها واحدا بعد الآخر، ولم يبق لها سوى “النضوة” زايد، وشخبوط التي تحاول جاهدة أن لا تسأل عنه كثيرا حتى لا تسمع خبر موت جديد يحرق فيها ما تبقى من حياة، كان يكفيها جواب أنه “سافر للعلاج”، لتطمئن أنه لا زال على قيد الحياة.
كان الشيخ شخبوط قد رأى مبكرا بوادر انفجار “ثروة الفجأة” في أبو ظبي وطالما حذر من الأخلاقيات الناتجة عنها لأنه يعرف طبيعة أسرته وأهل إمارته، وكان صادقا، فهو نفسه كان مقتصدا حتى في حياته الشخصية، وكتب له أن يعيش حتى عام ١٩٨٩ لير نتيجة ما حذر منه.
استمر زايد منذ 1961 في حكم أبوظبي، ومن ثم دولة الإمارات المتحدة، ليكون أول رئيس لها حتى عام 2004، حيث تُوفي وقد أسس لحكم عائلي أشد حزماً ومتانة.
انقلاب العصر الحديث
لعل الدولة التي أسسها زايد آل نهيان كانت عصيَّة على انقلابات الإمارات الأخرى ضد العاصمة أبوظبي المسيطرة على معظم الإنتاج النفطي، لكنها لم تمنع السيطرة على الحكم لطرف دون آخر ضمن البيت الواحد.
استطاعت الزوجة الثانية القوية لزايد، فاطمة بنت مبارك الكتبي، أن تزرع حُبَّ السُّلطة في نجلها محمد بن زايد، فمنذ وفاة أبيه وتولي الأخ غير الشقيق له خليفة بن زايد رئاسة الدولة وحُكم أبوظبي، بدأت تطلعاته إلى سدة الحكم.
فقد أُجبر خليفة على أن يكون ولي عهده هو محمد بن زايد، وإن كان قراراً مخالفاً لأعراف ولاية العهد في دولة الإمارات.
وأجَّلت الشيخة فاطمة وولدها محمد حينها إعلان وفاة زايد الأب عدة أيام، وذلك إلى حين ترتيب الأوضاع لأبنائها فقط، وإبعاد وتهميش كل أبناء زايد من زوجاته الأخريات، وضمنهم الشيخ خليفة، الذي ظهر حاكماً بلا صلاحيات.
كما قالت المعارضة الإماراتية: إن “الأخ غير الشقيق لمحمد “أحمد بن زايد” لم تسقط طائرته في المغرب عام 2008 وحدها، بل تعرضت لإسقاط مفتعل أدى إلى وفاته”.
وقد سيطر محمد بن زايد على أغلب مفاصل الدولة وضمنها منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، فهو صاحب الحضور الدائم والتأثير في كل القرارات والمغامرات التي تخوضها، لا سيما المتعلقة بسياسات البلاد الخارجية، التي غالباً ما تأتي مقرونة باسمه.
ولم يكتفِ بتحييد أغلب إخوته ومن هم في دائرتهم، بل قرَّب الإخوة الأشقاء الموالين تماماً له، بالإضافة إلى تمكين أبنائه في الجهاز (المجلس التنفيذي) الذي يُحكم به قبضته على أبوظبي، لمنع حدوث أي انقلاب أو محاولة انقلاب في بلد أمني يحكمه العسكر بلباس أهل الإمارات الأبيض.