عن الاحتجاج في مصر ودلالاته

- ‎فيمقالات

 

بقلم: ياسر الزعاترة

 

بأسرع مما كان متوقعا، تنفض النخب السياسية التي أيدت الانقلاب في مصر من حول قيادته، حدث ذلك قبل قضية تيران وصنافير، حتى لا يعتقد البعض أن الأمر مرتبط فقط بهذا السياق فقط، وحدث ذلك قبل اقتحام نقابة الصحافيين الأحد أيضا.

 

في سياق دفاعهم عن النظام، يسوق المؤيدون جملة إنجازات، يبدءونها بقصة الأمن، فيما لا يعرف ما طبيعة هذا الإنجاز، فيما الضحايا من الشرطة والجيش لا يزالون يسقطون في سيناء، ثم يتحدثون عن مشاريع كثيرة لم يشعر المواطنون -خاصة الغالبية الساحقة- بها، رغم عشرات المليارات من الدعم الخارجي التي تبخرت على نحو يجهله العقلاء!

 

وإذا تذكرنا أن عصا الأمن الثقيلة هي التي أشعلت الثورة الأصيلة في 25 يناير، فإن شيئا لم يتغير على هذا الصعيد، بل ازداد الوضع سوءا، وما زال الناس يقتلون ويعذبون ويعتقلون دون مبرر مقنع، وحين يكون في السجون ما يقرب من 60 ألف معتقل سياسي، فهذا يعني أننا إزاء نظام يعيش أزمة عميقة وليست هامشية بحال.

 

لعل هذا البعد هو أكثر ما يثير عناصر النخبة التي أيدت الانقلاب ثم انفضت عنه، على رغم أن كثيرا منهم -بل ربما أكثرهم- لا يبدون حزنا على معتقلي الإخوان ومؤيديهم، ويكتفون بالبكاء على فئة معينة من الناشطين اليساريين والمستقلين الذين زج بهم النظام في السجون.

 

لا يتعلق الأمر بالاعتقال فحسب، فهنا والآن حالة من الهياج الأمني في مواجهة الإعلام، على الرغم من أن غالبيته الساحقة من مؤيدي النظام، وحين يستهدف أحد أهم أبواق النظام بتسريب تسجيل جنسي له لمجرد انتقاد خفيف للنظام سبقته آيات المديح والولاء، فهذا يعني أن دولة البوليس لم تعد تحتمل سماع صوت غير صوتها، ولا تسأل عن اقتحام نقابة الصحافيين.

 

قلنا منذ شهور طويلة إن أزمة هذا النظام تتمثل في عدم إدراكه لحقيقة أن تكريس دولة بوليس بعد ثورة شعبية عظيمة، وفي ظل ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، لن يكون أمرا يسيرا بحال، وحين تجاهل النظام ذلك وأمعن في تكريس تلك الدولة، لم يلبث أن أخذ يصطدم تباعا بفعاليات المجتمع، لاسيما أنه لا يمنحهم شيئا مقابل تكريس دولة القمع، بخاصة على الصعيد الاقتصادي الذي يعني الغالبية الساحقة، وها هو الدولار يصعد تباعا مسجلا أرقاما غير مسبوقة بما يعنيه ذلك من تآكل في الدخول.

 

هو إذن يسجل فشلا ذريعا على الصعيد الداخلي، الأمني والاقتصادي، لكن الأسوأ أنه يسجل فشلا كذلك على الصعيد الخارجي، إن كان في العلاقة مع دولة الاحتلال الصهيوني، وهي قضية أمن قومي، أم في قضية الأمن القومي الأخرى التي لا تقل أهمية (مياه النيل وسد النهضة)، أم في هواجس الشعب المصري كجزء من الأمة في الموقف من العدوان الإيراني، رغم ملامح تغير بعد زيارة العاهل السعودي.

 

سريعا إذن، تتآكل شعبية هذا النظام، ويتصاعد أيضا إحساسه بفقدان الشرعية، فيلجأ زعيمه إلى خطاب عاطفي ما يلبث أن يثير السخرية أكثر من التعاطف. كل ذلك لا يعني أننا إزاء نظام يترنح، فتماسك المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى جانب القضاء والإعلام وراءه قوي، والموقف الدولي رغم الانتقادات بسبب القمع (صعدته قضية ريجيني) لا يغير في حقيقة الدعم الهائل له من مختلف القوى، لكن المهم هو أن مسيرته المتعثرة، واستمرار الفشل سيعني أن أحلامه الواسعة ليست واقعية، بخاصة إذا أدارت القوى الحية في مصر معركتها بطريقة أفضل بعيدا عن الحساسيات التقليدية.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها